منتدى شباب جنوب الوادى
أهلا ومرحبا بك زائرنا الكريم إذا كنت غير مشترك بالمنتدى يشرفنا اشتراكك معنا
منتدى شباب جنوب الوادى
أهلا ومرحبا بك زائرنا الكريم إذا كنت غير مشترك بالمنتدى يشرفنا اشتراكك معنا
منتدى شباب جنوب الوادى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب جنوب الوادى

منتديات شباب جامعة جنوب الوادى وصعيد مصر
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:17 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة الأولى

تطايرت الأبخرة الغزيرة برائحتها النفاذة المميزة من أحد محلات الكباب الشهيرة بمنطقة غمرة بالقاهرة .. لتثير حول المحل عبقا خاصا .. فأرباب هذه المهنة يحكمون على نجاح المحل بكثافة هذه الأبخرة وعدم انقطاعها ..
وبالدخل كان أحد العمال يقوم بإعداد الوجبة الكبيرة والدسمة التي طلبها أحد الشباب منهم
كان الشاب بملابسة الحديثة والعجيبة ونظارته السوداء الكبيرة التي تخفي نصف وجهة
وسيجارته الرفيعة برائحتها المعطرة يقف وهو يتمعن في العمال بقوة وهم يسعون يمينا ويسارا في نشاط جم لإرضائه عسى أن يفوزو منه بإكرامية ينتظرونها بلهفة حيث أنها هي العماد الأساسي لدخلهم من هذا المحل ..
بعد أن قاموا بإعداد وجبته المطلوبة أعطوه الأكياس معبئة بها .. حملها وذهب الى حيث عامل الخزينة ليدفع له المستحق عليه ..
وضع الأكياس بجواره على الأرض
ومد يده في جيبه ليخرج حافظته .. فاذا بها ليست بهذا الجيب الذي بحث به
أخذ يقلب جيوبه
وفجأة كصاعقة انقضت من المجهول ..
صبي صغير مهلهل الثياب ومتسخها اندفع الى داخل المحل ليختطف تلك الأكياس وينطلق بها كالقذيفة ..
واذا بهذا الشاب يسبه وينطلق خلفه كالطير الجارح
ارتبك العمال بالمحل ولم يدرو ماذا يفعلوا وهموا بأن ينطلقوا معه خلف هذا الصبي
ولكن ما إن برزوا خارج المحل حتى كان أثر الصبي والشاب قد تبخر
وعند سؤالهم للواقفين بالخارج أشاروا لشارع جانبي انطلقوا به
وأيضا كان الشارع خاو تماما منهما
وعاد العمال لينتظروا بالمحل عودة ذلك الشاب إما محملا بأكياسه أو بخيبة فقدها ومحاولة أخذ أخرى بدلا منها
المهم ألا تفوتهم الإكرامية
ولكن مر الوقت طويلا بدون عودته



*****

علا صوت قهقهة تامر وهو يتناول الأكياس من الصبي ويمد اليه برغيف ومعه قطعات صغيرة مما ساعده على سرقته ويقول له ..
.. (( المرة القادمة لو تأخرت ثانية واحدة قد تفضحنا فقد طالت مدة تقليبي لجيوبي .. فلا تكررها ))
تناول الصبي الرغيف منه بلهفة وقام بلفة بسرعة بما أعطاه وتناوله في نهم وجوع شديدين وقال له بصوت غير مفهوم بسبب امتلاء فمه ..
.. (( لا تقلق يا زعيم أنت فقط أعد الخطة للضربة القادمة وحدد لي الشوارع التي سنهرب فيها وأنا طوع أمرك .. ))
أشار له تامر بالإنصراف .. وأخذ حمله وذهب به الى إحدى الحدائق
وبدأ يأكل ببطء شديد وبتلذذ غير عادي
نظر إلى أحد الشباب برفقة خطيبته وهو يتناول شطائر الفول والطعمية ويمد يده بها اليها بكل ود .. وهي تتناول منه ممتنة بها ..
قذف تامر بقطعة كبيرة الى فمه وهو يتلذذ بمشهد أنه الآن يفوقهما مكانة وتلذذا بالطعام
فكم كره أن يكون هو اليد السفلي دوما
كم يلعن الفقر المدقع الذي يعيش فيه
ما إن تذكر الفقر الرهيب الذي يعاني منه حتى تمعر وجهه بالألم وذهب مذاق الطعام الذي سرقه من فمه
كان دوما يسائل نفسه
ما الفرق بينه وبين الشباب الذاهب والآتي بالسيارات الفاخرة وقد ولدوا بملاعق من ذهب في فمهم ؟؟ ..
له عقل ذكي مبتكر ربما يفوقهم جميعا
لدية الوسامه التي يظهرها هذا الملبس الخادع والذي استعاره من أحد معارفه ..
ولكن بسبب نشأته يتيما في حي الشرابية وفي إحدى العشش الصغيرة المبنية من الصفيح
وبرفقة أمه وأخته وأخيه وبلا دخل تقريبا
يعاني الأمرين
كان تامر يشعر بالحقد والكراهية لكل من يظهر عليه أثر النعمة
وحينما تأتيهم لحوم ووجبات الصدقات في الأعياد ورمضان والمناسبات الخيرية
يشعر بالهوان الشديد وتزداد الكراهية بداخله
فهو يرى بأنه أفضل من أصحاب الكرامات هؤلاء الذين يفعلون الجرائم أشكالا وألوانا ويظنون بأنهم حين يلقون بهذه اللقيمات الى الفقراء أمثاله قد نالو الرضا في الدنيا والآخرة
امتلئت معدته عن آخرها وتبقي الكثير
نظر لأحد المشردين كان يفترش ظل شجرة وينام تحتها ولا يشعر بالكون من حوله
فكر أن يذهب ليعطية ما تبقي وهو كثير
ولكن هو يرى بأنه قد حصل عليه بتعبه وذكائه ولهذا لا يستحقه غيره
وقام بلف البقية وذهب وألقاها بإحدى سلات المهملات المنتشرة بالحديقة وهو يشعر بالنشوة والتميز والتفرد

يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:23 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة الثانية



كانت حمدية تمسك برواية الجريمة والعقاب رائعة ديستوفسكي وتلتهم سطورها بنهم شديد وتفاعل وانفعال بكل ما فيها ..
شدتها الرواية بشكل عجيب فالرواية تتناول القالب النفسي بشكل رائع ومميز ورغم طولها وكبرها وكثافتها ورغم أن الكاتب حينما يريد وصف انفعال واحد بداخل البطل فهو يفرد له صفحات وصفحات .. إلا أنها لم تمل منها ولم تمر بعينيها فوق حرف واحد دون التهامه
ورغما عنها كانت متعاطفة جدا مع البطل القاتل الذي دفعته ظروف الفقر القاهرة لإرتكاب جريمته .. وكانت انفعالاته وشجونه النفسيه هي التي أوقعت به
ورغما عنها أيضا سالت دموعها مع كثير من المشاهد وهي تهتز في انفعال كأنما تعيش الأحداث بنفسها ..
قد يكون هذا المشهد رائعا لو قلنا بأن حمدية هي فتاة تعد الدراسات العليا في الأدب وأنها مستلقية على أرجوحه قماشية معلقة بين شجرتين في حديقة منزلها الشاسعة وحينما تسيل دمعتها تمد يدها بمنديلها الحريري المعطر لتمسحها برقة شديدة ..
ولكن للأسف المشهد مناقض تماما من كل الوجوه كما هو الحال في كل شيء يخصها
فقد كانت صغيرة السن ما زالت بالمرحلة الثانوية وكانت مستلقية في ضوء خافت فوق هذا الذي يُطلق عليه مجازا فيما بينهم اسم سرير هو عبارة أقمشة اعلانات الانتخابات بعضها مخيط والبعض الأخر محشوة بداخلها بعناية وتنظيم بحيث تعطي إحساس وملمس المرتبة الحقيقية .. وبالطبع ملقاة على الأرض بأحد جوانب تلك التي يطلق عليها أيضا فيما بينهم اسم غرفة والتي هي في الواقع شق ضيق جدا لا يكاد أن يدخله نسمة هواء واحدة بأحد أركان هذه العشة الصفيحية بالمنطقة العشوائية المتاخمة لحي الشرابية ..
حمدية ..
هي الأخت الصغرى لتامر وعبد الجليل ..
وهي دوما المنسية تماما وسط هذه الأسرة الغريبة
تامر الذي يحظي بكل شيء جيد ابتداءا باسمه ودلال أمه له وأبيه فيما سبق قبل وفاته
وعبد الجليل الذي لا يعرف شيئا في الدنيا سوى العمل ومحاولة توفير المأكل والمشرب وإن كان للأسف يعجز كثيرا عن ذلك
أما هي فالكل لا يعدها أحد أفراد العائلة
بل يعدونها كما مهملا وعبئا عليهم
ورغم ذلك وياللعجب فقد التحقت بالثانوية العامة ولم تكن من أرباب الدبلومات الفنية مثل أخويها ..
فهي رغم مظهرها البسيط جدا إلا أنها تتمتع بذكاء فائق وفهم واسع لكل ما يدور حولها
حتى أنها كانت تنجح وتحصل على أعلى الدرجات بمجرد استماعها للدروس في الفصل الدراسي .. فهي لم تتسلم الكتب بسبب عدم دفعها للمصاريف ..
وبالتالي ولأنها لا تجد ما يشغلها فقد كانت تهوى القراءة بشكل غير عادي
ولكن بالطبع وسط مستنقع الفقر هذا لا يمكن أن تنال ما يشبع رغبتها في القراءة
لولا وجود عم ابراهيم الجرنالجي
عم ابراهيم هذا من الشخصيات المنقرضة وقد يكون آخرها
فمهنه مبيعات الصحف والكتب والروايات ليست وسيلة لكسب الرزق بالنسبة له بقدر ما هي رسالة يحملها لنشر الثقافة والمعرفة بين الناس
في ذات يوم كانت حمدية كعادتها تقف أمامه لتلتهم عناوين الصحف والمجلات لتعرف أخبار الدنيا باستنتاج محتواها
وأمسكت وقتها برواية شدها غلافها جدا
كانت رواية لكاتب شاب غير معروف
كان الغلاف ليد قوية تمتد من تحت الأرض وهي تمسك بزهرة يانعة ومتفتحة
أعجبها تعبير الصورة الأخاذ فأخذت تقرأ ما هو مكتوب على الغلاف الخلفي
فكان إقتباسا من مقولة بها عن الإرداة وأنها السبيل للخروج من وسط جميع العواصف
وضعت الرواية بمكانها وهي تنظر لها بتحسر شديد
وهمت بأن تنطلق
واذا بيد عم إبراهيم توضع على كتفها برقه وحنان
وسمعت صوته الدافيء يقول برنته المميزة
.. (( يمكنك إستعارتها والمجيء بها في الغد بشرط ألا تتأذي صفحاتها ولا الغلاف ))
نظرت اليه حمدية بدهشة شديدة
فكأنما كان الرجل يقرأ أفكارها ويدري بمكنونها
فقد حقق لها حلما عجيبا لم تكن تتخيل يوما أن تناله
نظرت اليه بامتنان شديد واختطفت الرواية منه وهي تقسم له بأنها لن تخيب ظنه وستأتي بها بنفس حالتها إن لم يكن أفضل
وذهبت حمدية الى المنزل وهي تشعر بشجن وفرحة لا مثيل لهما
وعلى الفور استلقت على مرتبتها وهي تمسك الرواية بعناية شديدة والتهمت صفحاتها في أقل من ساعتين
وقامت من فورها لتردها الى صاحبها
الذي نظر اليها مندهشا فلم يكن يتخيل عودتها بهذه السرعة ولا محافظتها الشديدة على غلاف وورق الرواية وعلم الرجل أنها رغم صغر سنها إلا أنها بداخلها طاقة وقدرات دفينة ورغبة حقيقية في التعلم والتثقف ..
فربت عليها وقال لها بود شديد
.. (( حسنا بنيتي اليك هذه الرواية هي كبيرة جدا ولكن أثق بأنها ستعجبك وستشغل لك وقتا أكبر .. إنها رواية الأخوة كرومازوف .. ))
حملت حمدية الرواية الكثيفة والثقيلة بأجزائها وسارت وهي تشعر بأنها تُحلق في عالم جديد
فقد كان عالم الرويات هذا ينتزعها مما هي فيه
وتنتقل بها الى عوالم متعددة بعضها جميل ورائع وبعضها مؤلم ومؤثر
وهكذا كانت علاقتها مع عم إبراهيم الجرنالجي الذي يمدها بكل ما يشبع نهمها للقراءة
وكان هو من يتخير لها الكتب والروايات .. ودوما كان خياره هو الأفضل ..
حتى جاءت رواية الجريمة والعقاب
فبعد أن انتهت منها وعندما همت بأن تقوم
اذا به يدخل عليها فجأة دون استئذان ولا حتى صوت ينبهها بقدومه
ففزعت منه وهي تنظر اليها بتساؤل قائلة ..
.. (( أهلا بك يا تامر .. ))
نظر اليها تامر بسخرية وقال .. (( ما هذا الكتاب الضخم الذي تقرأين به ؟ .. وهل تفهمين شيئا مما فيه ؟ ))
قالت حمدية بجدية .. (( إنها رواية رائعة من الأدب الروسي ))
مد تامر يده ليمسك بالرواية ورفعها فوق كفه كأنما يثمنها ويحاول معرفة وزنها
وضحك قائلا .. (( إنها قلة أدب روسي ))
ثم أعقب قائلا .. (( ولكنه سينفعنا حتما .. فكتاب بمثل هذا الوزن يمكن بيعه لعم فرج بائع الطعمية ليصنع به قراطيس لها .. ))
فزعت حمدية وانتفضت واقفة وهي تمد يدها محاولة انتزاع الكتاب منه قائلة ..
(( لا يا تامر فهو لا يخصني ويجب أن يعود لعم إبراهيم بحالته فالرواية ثمنها غال جدا وقد استئمنني عليها .. ))
هز تامر كتفيه باستهتار وقال ..
.. (( من الحمار الذي يعيرك شيئا غال هكذا دون مقابل ؟؟ .. نحن أولى من عمك إبراهيم هذا .. ))
وانطلق خارجا وهي تصرخ خلفه وتحاول الإمساك بأذياله ..
ولكنه لم يعيرها أي اهتمام وتركها وخرج ..
وارتمت حمدية باكية منهارة وهي تشعر بالظلم الشديد الذي تتعرض له منذ صغرها
فهكذا قد انتهت عوالمها الرائعة التي كانت تنسيها الدنيا وما فيها
فهي أبدا لن تظهر أمام عم إبراهيم بعد الآن
وتذكرت وصف الأديب الشهير الذي استفاض ذات مرة في وصف انتزاع وليد من أمه ليتم بيعه لثري لا ينجب
كانت تشعر بكل الخلجات والصرخات المجلجلة التي انطلقت من فم الأم عبر صفحات الرواية
فهي الآن قد تم انتزاع كل أبنائها منها وبلا رحمة
بل لقد تم انتزاع قلبها من صدرها
كانت دموع القهر تسيل منها أنهارا
ودخلت أمها عليها لتسألها متعجبة عما بها ؟
ولأن حمدية تعلم يقينا بأن أمها لن تفعل شيئا مع تامر فقد كفكفت دموعها وقالت لها
.. (( لا شيء يا أمي .. ))
ولأن الأم تعلم يقينا بأنه لاشيء بيدها لتقدمه مهما كام المُلم بابنتها ..
فقد كتمت جزعها على حمدية وقالت لها ..
.. (( أنا ذاهبة الآن لتنظيف عيادة الدكتورة سناء .. تعالي معي لتساعديني .. ))
ولأن حمدية لا تجد ما يشغلها بعد الآن
فقد قامت لترافق أمها
وكانت المهمة الذاهبة اليها عجيبة جدا
فعيادة الدكتورة سناء هذه عيادة لأمراض النساء والتوليد
ولأنها في مكان ناء جدا عن الأنظار
فكانت يتم بها كل ما هو غير أخلاقي ولا قانوني من إجهاض وتلاعب بالأعراض وما شابه
وكانت وظيفة أمها أن تخلص العيادة من تلك المخلفات مقابل بعض القروش البسيطة
وصلت مع أمها الى العيادة وهناك استقبلتهما الممرضات باحتقار شديد
وقالت إحداهن لأمها بصوت جاف وصارم ..
.. (( هيا إلى الداخل ولتنظفي المكان بسرعة قبل مجيء الدكتورة .. ))
أومأت الأم برأسها في خنوع شديد واندفعت الى الداخل وبلا قفازات ولا أي وسائل حماية من الإصابة أو العدوي بدأت تجمع تلك المخلفات القذرة والخطيرة لتضعها في أكياس سوداء
ومن الحجرة الملحقة بمكتب عيادة الدكتورة لمحت حمدية ذلك المكتب الفخم
ورغما عنها ذهبت اليه تتأمله في انبهار
ودارت حوله وجلست على الكرسي الدوار الوثير والمريح
وعادت برأسها إلى الخلف وأغمضت عينيها
وسرحت بخيالها الى مستقبل ترى نفسها فيه طبيبة شهيرة تملك عيادة كبيرة بها مكتب كهذا ومقعد أكثر راحة من الجالسة عليه الآن
وفجأة .. وبكل قسوة
انطلقت صرخة محملة بأقذع الشتائم لتوقظها وتنتزعها من أحلامها
فقد دخلت الطبيبة لتجدها في هذه الجلسة الحالمة
فصرخت فيها وهي تسأل قائلة
.. (( من هذه القذرة وكيف وصلت إلى هنا .. ومن أعطاها الحق لتجلس على الكرسي الخاص بي .. ))
وذهبت لتجرها من شعرها وتلقيها الى الخارج قائلة ..
(( عندما تأتي الشمس من مغربها قد يكون لديك أمل في الجلوس على كرسي مثله ..))
وصرخت في أمها قائلة ..
.. (( لا أريد رؤية وجهك البشع هنا بعد الآن ))
والأم ترجوها وتتوسل اليها بكل كلمات الرحمة والشفقة
ولكن قلب الطبيبة الذي قُد من صخر جعلها تدفعها الى الخارج ولا تعيرها أي اهتمام
وخرجت الأم وهي تنظر إلى ابنتها المنهارة بكل شفقة وألم
فها هو مصدر للرزق كان يأتيها بقروش قليلة قد انقطع
ولم يعد أمامها سوى الذهاب لغسيل ومسح سلالم العمارات
وكأنما اعتادت الأم على الخنوع والرضى التام بكل مصائب الدنيا التي لم تنقطع عن رأسها
فقد تقبلت الأمر بسرعة
وإن كانت تشعر بغصة لا مثيل لها لأجل ابنتها التي كانت تسير وهي تتمايل يمينا ويسارا كطير ذبيح ..
وعلى النقيض تماما من الصورة البادية عليها
كانت حمدية رغم الأسى والحزن والانهيار
إلا أنه كانت هناك صورة تملأ خيالها في هذه اللحظة وتسيطر عليها بكل قوة
صورة اليد القوية الممتدة من تحت الأرض والممسكة بالزهرة المتفتحة بكل إرادة وأمل رغم الموات ..
وعضت على شفتيها بقوة
وأقسمت بينها وبين نفسها أنها ستكون طبيبة وناجحة في المستقبل مهما كانت العوائق والمصاعب المستحيلة التي تعترضها ..
يتبع باذن الله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:25 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة الثالثة


عندما يبكي الرجال ..
قد تصلح هذه العبارة كعنوان لرواية تراجيدية .. أو افتتاحية لمقالة أدبية مميزة
ولكن ..
أبدا لن يشعر بمعناها إلا من مر بتجربتها ..
قد يبكي الرجال من خشية الله وهذا محبب ورائع
وقد تسيل عبراتهم فرحا واغتباطا .. وهو أيضا من الأمور الجيدة
وفي بعض الأحيان تكون الغدد الدمعية سطحية جدا وبمجرد الابتسام الشديد أو التثاؤب يتم الضغط عليها فتسيل منها الدموع رغما عن صاحبها .. وهذا لا شيء فيها
أما أن تسيل منهم دموع القهر والألم .. فثق وقتها بأن هذا الرجل ما فعلها إلا محاولة الهروب من الانفجار والانسحاق تحت أقدام إنفعالاته التي تموج به ..
وتكون هذه أكثر لحظاته ضعفا ووهنا ..
كان محمد الشرنوبي يمسك بيدي ولديه الصغيرين وزوجته تنطلق خلفه وهي تتعثر في ثوبها الطويل وهي تمسك بيد صغيرتها وتجرها معها في مسيرهم الطويل ..
كانت هذه الأسرة الضائعة تسير بلا هدف ولا أمل ..
فبعد أن انهار العقار الذي كانوا يسكنون به ..
ذهبت أملاكهم القليلة في هذه الدنيا ..
فصاحب العمارة المنهارة قد حصل على الأرض التي كانت مقامة عليها وتخلص من جميع السكان دفعة واحدة واصبح الآن بامكانه الاستثمار بها كيفما شاء
وهؤلاء السكان أصبح مصيرهم متنوعا ..
منهم من لديه سكن بديل فذهب اليه
ومنهم من له أقارب لجأ اليهم
ومنهم من ينطلق هكذا بلا هدى ولا أمل وبلا أمتعة بعد أن فقدوا كل شيء تحت الأنقاض
كما هو الحال مع محمد الشرنوبي الآن ..
ولأنه عامل بسيط وبلا راتب ثابت بمحطة السكك الحديدية في منطقة رمسيس بالقاهرة
فقد ذهب بهم الى أماكن الورش الخاصة بالمحطة .. وفي منطقة تجمع الكثير من الأخشاب توارو خلفها وكأنما يحتمون بها
وكأنما هي رحمة من الله بهم .. فقد غشيهم النوم جميعا من التعب والإرهاق بعد مسيرهم الطويل ..
وفي الصباح استيقظ الجميع على فاجعة أخرى لا مثيل لها ..
ليجدوا عائلهم الوحيد وقد تناثر جسده يمينا ويسارا تحت عجلات أحد القطارات
كيف مات ومتى ؟
لا أحد يدري
هل فعلها هربا من الحياة وعجزه التام بها ؟
هل حدث خطئا ما أوقع به ؟ ..
كل ذلك لا يدري به أحد
وانطلقت الصرخات مجلجلة تهز أركان المحطة الشاسعة
ولأن العطف والطيبة وسخاء اليد وقت المصائب من صفات الشعب المصري المترسخة فيه
فرغم ضيق ذات اليد بكل من كان يعرف محمد الشرنوبي
إلا أنهم تجمعوا وجمعوا مبلغا من المال وتطوع أحدهم لشراء تلك العشة الصفيحية التي أقاموا بها بحي الشرابية
وكانت تأتيهم المساعدات كل حين ..
ولكن النسيان دوما مصير كل الأشياء والكائنات ..
وهكذا تم نسيانهم ..
وظلت هذه الأسرة تقاسي الأمرين
وكان أكثرهم معاناة واحساسا بالمسئولية
هو عبد الجليل ..
من صغره وهو يجري طوال اليوم بين السيارات المتوقفة في الإشارات المرورية ليمسح زجاجها أو يبيع لأصحابها المناديل والفوط الصغيرة وبعد انهاكه التام طوال اليوم يعود الى صاحب البضاعة ليمنحه قروشا لا توفي ولا تكافيء أبدا ما بذل من مجهود خرافي طوال اليوم
وقد ورث عبد الجليل عن أبيه الطيبة التامة والمسالمة وتقبل كل الظروف والأشياء برضا عجيب هو أقرب للخنوع والخضوع بشكل أكبر
حتى عندما يتعرض للظلم الشديد في كثير من المواقف ..
يوميء برأسه لأسفل ..
وينطلق وهو يكتم عبراته بكل قوة وبعد قليل يطوع نفسه لقبول ما حدث دون أي محاولة للمقاومة ..
وبعد التنقل والتقلب في كثير من المهن البسيطة التي عمل بها
أخيرا استقر في أحد المطاعم الشعبية ..
وبالبرغم من أنه كان أكثر العاملين بهذا المطعم تعبا وإرهاقا إلا أنه كان أقلهم راتبا
وقد يكون السبب الرئيسي في هذا أنه أصبح من المعروف عنه أنه يقبل بأي شيء ولا يعارض أي مخلوق في أي أمر
فهو الذي يحمل أجولة البضاعة القادمة
وهو الذي يخلص المطعم من مخلفاته ويحمل أثقالا لمسافات بعيدة
وهو الذي يقوم بغسيل ومسح وتنظيف أرضية المطعم كل يوم ..
وكذلك وظيفته شبه الرئيسية هي غسيل وتنظيف الأطباق والموائد بعد انصراف الزبائن ..
وبقية رفاقه من يجلس على الخزينة
وآخرين يقومون بتوصيل الطلبات للزبائن
مع اثنين يقومان مقام النادل بلباسهم النظيف
وكأن أقل هؤلاء راتبه ضعف راتب عبد الجليل
وكان عبد الجليل يقبل بهذا مقابل خدمة أخرى يراها مهمة جدا
فأثناء تنظيف الموائد بعد انصراف الزبائن .. يقوم بتجميع بقايا الأطعمة التي تركوها
ويضعها بكيس أسود يحمله معه
وفي نهاية اليوم يذهب بها كطعام لأسرته ..
ويراه صاحب المطعم ويتركه كأنما لا يرى شيئا .. ولكنه بينه وبين نفسه يقرر أنه حينما يريد التخلص من عبد الجليل ستكون هذه هي الحجة الأساسية
وإن كان أصلا لن يجد مثيلا له ..
عاد عبد الجليل منهكا مرهقا تدور به الدنيا من عمله
دخل الى ما يطلق عليه مجازا منزله
وأول سؤاله كان عن حمدية
فأشارت أمه بانها مستلقيه كالعادة بالداخل .. وكانت عينيها مسلطة على كيسه الأسود
ولكنه تجاهل نظرتها هذه وانطلق الى حيث حمدية
فوجدها نائمة وهي تدفن رأسها في وسادتها ..
ولأنه يعلم بأنها لا تفعل هذا إلا إذا كانت تعاني بقسوة من شيء ما
فجلس بجوارها وربت على ظهرها بحنان شديد
وقال لها .. (( حمدية حبيبتي .. لقد جئت .. ))
وكأنما أيقظها صوته الدافي من سبات عميق فقد رفعت الوسادة عن رأسها وقامت لتنظر اليه بود شديد وقالت له .. (( حمدا لله على سلامتك ))
نظر عبد الجليل الى عينيها المحمرتين من أثر البكاء ولأن الأسباب كثيرة وليس بيده دفع إحداها فقد تجاهل سؤالها عنها وحاول تعزيتها بأن مد يده في كيسه وأخرج شطيرة كاملة وقال لها .. (( لقد جئت لك بهذه خصيصا فهي كاملة ولم يلمسها أحد وسيعجبك طعمها جدا باذن الله .. ))
تناولتها منه دون تردد والتهمتها في نهم شديد
وهو ينظر اليها بود وعطف كبيرين
فرغم كل شيء كان عبد الجليل يشعر بالمسئولية التامة عنها
كان يشعر بأنها الركن الضعيف بهذا البيت ..
ولكن كانت عنايته بها لا تتجاوز منحها هذا الطعام وبعض القروش في مطلع الشهر
وسوى ذلك يتجاهل مرغما كل ما تعاني منه
لأنه يحمل منه أطنانا ولا يتحمل المزيد
بعد أن تناولت حمدية شطيرتها قبلته على وجنته وهي تشكره بشده عليها
وكانت هذه هي المكافئة الكبرى التي ينتظرها طوال اليوم
وكأنما كانت قبلتها هذه بلسم شاف ذهب بكل أوجاعه وآلامه
فقد أشعرته بأن تعبه كله له مقابل كبير ولم يذهب هباءا
فربت عليها بحنان وود وهو ينظر لها بامتنان
وخرج الى أمه ليمنحها البقية
وبينما أمه تقوم بفرزها وتجميعها
دخل تامر لينظر اليهما بسخرية قائلا
.. (( مرحبا بك وبزبالتك التي أتيت بها .. ))
كعادته كتم عبد الجليل انفعاله الحقيقي وابتسم لأخيه قائلا ..
.. (( تفضل يا تامر والله إنها نظيفة فأنا جمعتها بعناية ولففتها جيدا قبل أن أضعها بالكيس .. ))
قال تامر في مقت شديد ..
.. (( إلى متى سنظل هكذا ؟ .. وما ذنبنا في كل هذا ؟ .. متى نخرج من عيشة تأباها الحيوانات ونعيش مثل بقية البشر ؟ .. ))
قال له عبد الجليل في جدية شديدة ..
.. (( احمد الله يا تامر كي لا تزول منا النعمة .. نحن لنا مكان يؤوينا وغيرنا تحت الكباري وفي مقالب القمامة في العراء .. نحن نجد يوميا ما يسد رمقنا وغيرنا يبيت ليالي عديدة يقاسي الجوع والعطش .. ))
مد تامر يده وانتزع شبه شطيرة من يد أمه ووضعها بفمة مرة واحدة ولوح بيده وخرج وهو ينطق بجملة غير مفهومة وبالطبع كان معروف دلالتها وأنها لا تعبر سوى عن نقمته الدائمة على كل ما يحيط به ..


يتبع باذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:26 pm

الحلقة الرابعة
طرقات بطيئة هادئة بغير عنف على الباب
تعجبت حمدية منها بقوة
فهم غالبا لا يُطرق بابهم أبدا
واذا حدث في المرات النادرة فهي حتما تكن بعنف وتهز الجدران الصفيحية المتهالكة
فقامت لتفتح وهي تتوجس خيفة
وإن كان هدوء تلك الطرقات كان يبث فيها الشعور بالراحة
وما إن فتحت الباب
حتى تهاوى قلبها ببين قدميها
وارتعدت بعنف
وهمت بأن تصفقه بسرعة قبل أن يراها الواقف خلفه
فقد كان عم ابراهيم
علمت حمدية لما شعرت بكل هذه الراحة من وقع الطرقات
فقد كان واقفا ببسمته الهادئة الجميلة
وطلعته البشوشة ووجهة المملوء بالطيبة والحنان
ما إن رآها حتى ارتفع حاجبيه بتأثر حقيقي وقال لها بصوت يفيض لهفة
.. (( كيف حالك يا حمدية يا ابنتي ؟؟ .. لقد قلقت عليك جدا ))
لم تستطع حمدية من كبح جماح دموعها التي انهمرت
وهي تشعر بالخزي والعار مع مزيج عجيب من السعادة المشبعة بالشجن
هناك من يهتم لأمرها
هناك من يفتقدها
ولكن
هي أجرمت في حقه
وسوف يُصدم فيها بعد قليل
وهو لا يستحق كل ذلك
ولهذا خرج صوتها مبحوحا وهي تقول ..
.. (( كيف حالك أنت يا عم إبراهيم .. وكيف عرفت طريقي ؟؟ .. ))
ضحك الرجل وقال لها (( أنا أقيم بالمنطقة قبل أن تولدي بكثير و هل سأبقي هكذا طويلا أمام الباب ؟ ))
تحرجت حمدية وهي تقول .. (( بالطبع لا .. ولكني وحدي .. ))
قال لها ببساطة .. (( لا عليك ولكن أنتظرك اليوم عصرا .. لابد وأن تأتيني .. ))
لم تدري حمدية من أين أتتها هذه الجرأة لتتخلص من حملها وهي تقول له
.. (( عم إبراهيم .. لقد ضاعت مني رواية الجريمة والعقاب ولا أعرف لها طريقا .. ))
استدار الرجل وأعطاها ظهره منطلقا وهو يقول بكل بساطة
.. (( لست أريدك لأجلها .. ))
وتباعدت خطواته وهي واقفة فاغرة فاها غير مصدقة
لقد كانت تقاسي آلام تعذيب الضمير بسببها
وفي نفس الوقت تتجرع مرارة الحرمان من القراءة التي كانت تؤنس وحدتها
وتخرجها من كل دنياها الى كل العوالم الكونية المتعددة
هكذا بكل بساطة تلقي الرجل خبر فقدها ؟!!
كانت حمديه تهم أن تندفع خلفة ولا تنتظر الى العصر
ولكن تمالكت نفسها بقوة
وكم كان آذان العصر أعذب من كل سيمفونيات المقطوعات الموسيقية في أذنيها عندما أتى
وعلى الفور انطلقت ذاهبة اليه
وكعادته
ورغم مظهره البسيط جدا والذي لا يوحي أبدا بكم المعارف التي يختزنها بين جنباته قبل أن تكون مرصوصة مع كتبه ومجلاته
كان جالسا على كرسية الخيرزاني ويرتدي نظارته السميكة
وبين يدية كتاب ضخم
اقتربت منه وهي تقول في خفوت .. (( كيف حالك يا عم ابراهيم ؟؟ .. ))
بكل هدوء وضع كتابه جانبا
ونزع نظارته
وارتسمت ابتسامته المحببه لها على وجهة
وقال لها بلوم مشوب بالمودة
.. (( وهل هان عليك يا حمدية أن تغيبي كل هذه المدة دون سؤال عني ؟ ))
كانت كلماته تمس شغاف قلبها
كانت ترى فيه أبيها الذي لا تذكره
فقالت بصوت متقطع ومتهدج
.. (( لقد أضعت روايتك الثمينة .. ))
ضحك وقال ..
.. (( وهل هذه هي المشكلة التي تمنعك عني ؟ ))
قالت .. (( ثمنها غال .. لقد تسببت لك في خسارة كبيرة .. ))

قال بهدوء
.. (( لا توجد خسارة باذن الله .. فيمكنك تسديد ثمنها بشكل آخر .. ))
رغما عنها توجست حمدية خيفة رغم ابتعاد كل الشبهات عن الرجل وضمت ثوبها
وهي تسأله في ترقب .. (( وكيف هذا ؟ ؟ .. ))
قال دون أن تنمحي ابتسامته عن وجهه
.. (( أنا في حاجة الى العون الآن .. فأنا أريد من يحل محلي كل يوم وقت الظهيرة لأنال قسطا من الراحة .. ولهذا طلبت أن تأتيني وأعرض عليك العمل معي في هذا الوقت .. وسوف أخصم ثمنها من راتبك .. هيا انزعي عنك الشعور بالذنب هذا .. فأنت أفضل من يقوم بهذه المهمة ))
كانت مفاجأة مذهلة لها .. فجأة تبدل الكون بالنسبة لها
عمل وبأجر مادي وفي ماذا ؟ في واحتها الغناء الرائعة
هزت رأسها لتتأكد من أنها لا تحلم
وهمت بأن تذهب لتقبله على وجنته كما تفعل دوما مع عبد الجليل ولكن بالطبع لم تستطع
و كانت موافقتها السريعة على هذه الهدية التي تعد بمثابة الحل لكل مشاكلها في الحياة
وقد تحقق لها الحلم
كل يوم تأتي وقت الظهيرة لتقطف من ثمار هذه الجنة وبعيدا عن تهديدات تامر
بل فكرت أنها لو تستطيع لدفعت هي راتبا لعم ابراهيم مقابل هذه الخدمة الجليلة لها
وكل يوم قبل مغادرتها تتسامر معه ساعة كاملة في مناقشة حول ما قرأته أثناء غيابه
كانت مناقشاته هذه ثرية جدا
تكشف لها أبعادا أكبر وأعمق مما كانت تتخيل
فقد كانت تقرأ لأجل التسلية
أما هو فكان يصبغ هذه التسلية بمعان أخرى تبني لها جزءا كبيرا من وجدانها
وفي يوم بعد قرائتها لرواية دعنى أحلم
ظلا يتحاوران حول الأحلام وأن السبيل الحقيقي لتحقيقها هو أن تتوقر في صدر صاحبها أنها حقيقة ماثلة أمام عينية وليست شيئا بعيد المنال
وهنا
وقفت حمدية وبعينين مليئتين بكل إصرار الدنيا
و قالت له :
.. (( عم إبراهيم .. أنا احلم بأن أكون طبيبة .. وحلمي الآن ماثل أمام عيني .. ))
اتسعت ابتسامة الرجل مشوبة بالسعادة الواضحة وقال لها ..
.. (( وأنا أيضا أراه ماثلا في عينيك .. وسوف أساعدك بكل سبيل لتحقيقه .. ))
وقد كان
فهو الذي قدم لها الكتب المدرسية التي لم تحصل عليها
وهو الذي دلها على مجموعات تقوية مجانية بالمراكز الخيرية
وهو الذي كل يوم يبث فيها روح الاصرار والعزيمة كل يوم
وعندما اقتربت امتحاناتها
منحها أجازة مدفوعة الراتب
وعرض عليها سلفة لتتغذي بأطيب الأطعمة كي تتمكن من التحصيل والتركيز
على أن تسددها من راتبها فيما بعد
وكانت المفاجأة الكبرى والتي لم تحلم بها ولم تخطر لها على بال منذ شهرين فقط
حصلت حمدية على مجموع عال يؤهلها لكلية الطب بالفعل

يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:28 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau


الحلقة الخامسة
كثيرة جدا هي الأحلام التي يرى فيها المرء نفسه وهو يتسائل تُرى هل أحلم أم أن هذه حقيقة ؟
ورغم كثرة المشاهد المتنوعة والمتعددة في معظم الروايات والتي تصف بأن المرء لا يصدق ويهز رأسه بعنف كي يتأكد بأنه مستيقظ فعلا ولا يحلم
إلا أن هذا لم يحدث في الواقع أبدا .. وسائل نفسك .. هل حدثت معك يوما ؟
إلا أن هذه المرة كانت حقا تفوق كل الأحلام والخيالات ألف ألف مرة
حتى أن حمدية كانت تسير وهي لا تشعر بالكون حولها
عفوا لم تكن تسير
بل كانت تحلق في سماء غير التي تظلنا
وترى أرضا غير التي نعيش عليها
كانت الفرحة تهز جوانحها وكانت حقا ترتعد من السعادة
نعم ترتعد لم تقراها خطئا
بل كانت دموعها تسيل بلا انقطاع
ولأول مرة لم تكن دموع الألم والقهر والعذاب
هل حقا ستنتمي الى عالم البشر ؟
هل أصبحت قاب قوسين أو أدني من أن تكون لها شخصية حقيقة ومقام فعلي بين الناس
هل ستصبح محط الاهتمام والتقدير ؟
وعندما دخلت الى بيتها
رأتها أمها وهي على هذه الحالة
ولأن المناطق العشوائية لا شيء فيها آمن
انخلع قلب الأم وهي تتفحص ابنتها بسرعة بعينيها
وقالت لها .. (( ما بك يا حمدية ؟ ))
خرج صوت حمدية شاحبا متقطعا وقالت
.. (( سأصبح طبيبة يا أمي .. ))
جزع الام وقلقها مع غرابة الخبر جعلاها للحظة لا تدرك ولا تفهم مغزى ما قالت ابنتها
وحينما أدركت
كان الشعور بداخلها عجيبا ومركبا بشكل غريب
هو بالضبط أشبه بشعور رجل فقير كان تائها في الصحراء وحينما انقطع به الأمل
اذا به يجد سيارة فارهة ظهرت له من العدم وسائق يقول له تفضل سيدي فقد جئت لك خصيصا لأوصلك بر الأمان ومعي أطيب المأكولات والمشروبات لك
فلا هي كانت تنتظر ذلك
ولا هي كانت تأمله ولا تتوقعه
بل كانت ترى بأن الحياة التي تحياها هي كل شيء ولا يوجد تطور لها مهما كان
ابنتها ستصبح طبيبة
كيف هذا ولماذا ؟
وقبل أن ترد عليها
اذا بعبد الجليل يطرق الباب بهدوئه المعهود ويدخل ليرى هذا الموقف الغريب
وحينما علم بالخبر
يحتضن أخته ويقبل رأسها
ويقول لها
.. (( والله كنت أعلم بأنك أنت ستكونين سر سعادتنا ))
وقالت لها أمها
.. (( هيا يا دكتورة فأنا أريدك لتعالجين هذه الغشاوة التي بدأت ترهق بصري ))
وعبد الجليل يقول لها ..
.. (( وأنا كذلك يا دكتورة ظهري يؤلمني كثيرا وتلك الكبسولات الصفراء أصبحت تحرق بطني .. سأنتظر حتى تدرسين منطقة الظهر وتعالجيني أنت .. ))
ولأول مرة تنطلق الضحكات في هذه العشة الصفيحية منذ أمد بعيد
ولأول مرة يكن هناك شعور الأسرة بينهم والتفاعل الدافيء بالمشاعر الصادقة هذه
وكأن هذا الخبر كان بمثابة الرباط الذي جمع كل ما كان مفككا بينهم
ولكن
ظهر بطلعته الغير بهية
ووقف متعجبا أشد العجب لما يرى من ضحكات وشعور عجيب بالسعادة يطوق المكان
بالطبع إنه تامر
فقال لهم .. (( أشعر بأن هناك شيئا فاتني .. هل أتاكم أحد السادة بأكلة شهية ؟ ))
قال له عبد الجليل بفرحة .. (( حمدية ستصبح طبيبة .. ))
نفس وقع الصدمة ولكن كان معه مختلفا
فقد أدرك الأمر بسرعة
هو يرى النبوغ في أخته منذ صغرها ويدرك أن ملكاتها تفوق كثيرا مظهرها
وعشقها للقراءة بشكل عجيب لا يأتي من فراغ ولا يمر بلا أثر
حتى أنه كان يشعر بالغيرة الشديدة منها
فهو لديه احساس أنه الأذكى والأفضل دوما ولكن الظروف هي التي تقتله
فكيف فعلتها هذه المجرمة وسط هذه الأهوال
هذا دليل يدينه بأنه هو الفاشل
لأنها نفس ظروفه
فلماذا لم يفعلها هو
ولهذا
ارتكن بساعدة على الحائط الذي تحرك قليلا تحت ضغطه
وقال ساخرا .. (( لولولووووي ألف مبروك يا دكتورة .. الف مبروك يا أم الدكتورة .. وأنت كمان يا أخو الدكتورة .. ))
شعر الجميع بنبرته الساخرة الناقمة هذه فصمتوا جميعا وقد توجسوا منه كل شر
ولكنه أكمل قائلا
.. (( هل جننتم جميعا ؟ .. إننا لا نجد ما يطعمنا لمدة يومين قادمين .. كيف باذن الله سيتم الانفاق عليها في كلية الطب هذه ؟؟ .. والتي فقط سعر كتاب واحد فيها يعادل ما ننفقه جميعا في شهر أو شهرين ؟ ))
كان رد الفعل لديهم تماما اشبه بمن كان لديه جرح نازف وكان متناسيا له
واذا بمن يضغط عليه بقوة وعنف ليذكره به عبر الألم الشديد
اطرقت الأم بوجهها الى الأرض
ونظر عبد الجليل الى أخته بشفقة شديدة وقد أدرك تبخر الحلم
وعلى النقيض تماما
ولأول مرة
وقفت حمدية ووضعت يديها في خاصريها
وقلت له بكل عناد الدنيا
.. (( سأفعلها باذن الله مهما كانت العوائق ))
كان الشعور بالنجاح بعد المصاعب السابقة قد منحها طاقة جبارة على تحدى الظروف
فقد جربت كيف أن مقاومة الأخطار ممكنة اذا توفرت الارادة
فوجيء تامر برد فعلها فقال لها في غيظ
.. (( وكيف ستفعلينها أيتها العبقرية ؟ ))
قال بمنتهي الصرامة
.. (( اذا طلبت منكم مليما واحدا وقتها فقط فلتحاسبني ما دامت هذه هي كل المشكلة التي تراها .. وأنا كفيلة بتجاوز كل الصعاب .. ))
كان تامر يشعر بكل غضب الدنيا يعتمل به
ولكن كعادته في محاولة كسب الأمور
تدارك الأمر وعلم أن تحديها الآن سيجعلها فعلا تسعى للنجاح
لذا من الأفضل الآن تركها هكذا
وحتما ستقتلها كل المصاعب التي ستواجهها وهي كثيرة جدا ولا قبل لها بها
ووقتها ستعود هنا باكية منكسرة ومحطمة لتؤكد بأنه لا يوجد من هو أفضل منه فعلا
ولم يولد بعد من يسبقه
فهز رأسه بلا عناية وقال
.. (( حسنا أمامك كلية الطب .. أتمنى لك كل سعادة يا دكتورة ))
وتركهم وانطلق الى حيث لا يدرون
وإن كان قد أحدث شرخا كبيرا في جدار سعادتهم التي كانت تظلهم منذ قليل .

*****

.. (( الأجرة يا آنسة .. ))
نطق بها المحصل في تلك الحافلة المنطلقة من منطقة غمرة الى العباسية وسط أكوام البشر المتكدسة به ..
تجاهلت حمدية كلمته .. فكررها بمنتهى اللزاجة ..
.. (( قلنا الأجرة يا آنسة .. بصي فلنظري نحوى ولتدعى تلك اللامبالاة فلن تصلح معي .. ))
أحرجت حمدية فقالت له .. (( لقد نسيت نقودي سأهبط في المحطة القادمة بعد اذنك .. ))
نادي المحصل بصوته الجهوري على السائق قائلا
.. (( أوقف الحافلة يا محمد .. ))
ورغم الزحام والضجيج الا أن صوته كان سببا فعلا في توقف الحافلة بشكل مفاجيء جعل الجميع يندفعون نحو الأمام فوق بعضهم البعض
وقال لها ..
.. (( هيا انزلي الآن .. ))
قالت له برجاء
.. (( استسمحك دعني حتى المحطة القادمة فقط .. ))
صرخ فيها قائلا
.. (( هيا يا آنسة لا وقت لنضيعه أكثثر من هذا .. ))
تحجرت الدموع في مقلتيي حمدية فهبطت مسرعة
والمحصل يعلق قائلا .. (( حرامية ولاد كلب لازم يوجعوا قلبنا على الصبح ))
والعجيب أنه لم يصدر أي رد فعل من الركاب المجاورين لهذا الحدث
ولكن كان هناك شابا ينادي على المحصل منذ بدء الأزمة و بالطبع لم ينتبه له
وكان هذا الشاب يشق الزحام محاولا الوصول اليه
وعندما وصل ليدفع لها الأجرة
كانت الحافلة قد انطلقت بدونها بالفعل
في حين أن حمدية كانت تسير عاقدة حاجبيها ووجهها متمعر بمشاعر الألم كلها
وهزت رأسها وقالت وقالت بصرامة لا سمعها ولا يشعر بها الا هي
.. (( غدا ستعلم أيها المحصل من أنا
غدا سأثبت لك أني لست تلك الحقيرة التي كنت تستهين بها
باذن الله ستتبدل كل الظروف في المستقبل .. ))
وبعد نصف الساعة سيرا على الأقدام وصلت الى كليتها في اليوم الأول لها
وهي تشعر بكل اجهاد الدنيا
وكأن هذا الإجهاد كان سببا في زيغ بصرها
فقد كانت المشاهد أمامها عجيبة ومهتزة
ولساعة كاملة كانت تشعر بأنها دخلت مكانا خطئا
كرنفالا كبيرا من الأزياء لم تره من قبل
وبكلية الطب خصيصا رأت أناسا كان تسمع عنهم وفقط
يظهر عليهم كل آثار العز
والعجيب أن كل اثنين أو ثلاثة كانو متعارفيين بسابق معرفة
أما هي فكانت وحيدة بشكل غريب
فلا توجد زميلة واحدة معها من مدرستها أو منطقتها بالكامل
ولهذا انطلقت الى أبعد مكان قصى
وجلست فيه وحيدة وكأنها تنشد البعد عن كل هذا
وبدأت المحاضرة
لم تستوعب حرفا واحد منها
والعجيب أن كان هناك طلبة يتجاوبون بشكل رائع مع المحاضر
وهو يثني عليهم
وعند انتهائها كان العامل المسئول عن قاعة المحاضرات معه كم كبير من الكتب والمذكرات يعرضها للبيع .. بالطبع نظرت اليها وابتعدت مسرعة بعد أن علمت سعرها
ولأول مرة منذ نجاحها
بدأ شعور العجز يتسرب اليها
موقف محصل الحافلة الذي نال من نفسيتها
مع مسيرتها الطويلة مشيا على الأقدام التي أنهكت جسدها
وكذلك عدم فهمها لأي حرف مما قيل بالمحاضرة
وأخيرا لمست على الواقع أحد أهم المتطلبات لهذه الكلية وهي الانفاق
كانت في السابق يمكنها النجاح بمجرد السماع في الدروس والمحاضرات
وهذا لأنها كانت تفهم وتستوعب ما يقال
أما الآن فكيف سيكون التحصيل بلا فهم ولا أي وسيلة مساعدة
ذهبت حمدية الى ركن قصي
وجلست به
وهي تشعر بكل أكبال الدنيا تصفدها
كانت تشعر كأنها غريق يهوى نحو الأعماق وأمامه زورق النجاة
ولكن لا تطوله يده
ورغما عنها
انفجرت باكية
وهي لا تشعر بأن هناك عينان ترقبانها باهتمام شديد ومن ركن قصي

يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:29 pm

الحلقة السادسة


كانت حمدية محبطة وبائسة ووقفت أمام عم إبراهيم وهي متدلية الرأس ومتهدلة الأكتاف
نظر اليها عم إبراهيم وشعر بما يعتمل بها من انفعالات ومشاعر
فمد لها كرسيه وقال لها اجلسي يا حمدية
جلست حمدية وهي لا تشعر بالأرض من تحتها
وقال لها عم إبراهيم بصوته الحنون ..
.. (( وجدت الكلية صعبة ولا قبل لك بها ؟ ))
سالت دمعة صامتة من عيون حمدية وهي تقول ..
.. (( بل وجدت الحياة كلها لا قبل لي بها .. لست أنا من توهب لها الحياة بهذا الشكل .. ))
رق قلب عم إبراهيم وقال لها ..
.. (( أين حمدية الأمس الصامدة الصابرة المتمسكة بحقها في الحياة ؟ .. ))
قالت حمدية بانكسار ..
.. (( كانت صحوة الموت يا عم إبراهيم .. كأني تعاطيت مخدرا وأفقت بعدها على الحقيقة المرة وهي أني لا شيء .. ))
نظر اليها الرجل بتمعن وقال لها متسائلا :
.. (( والآن ماذا ستفعلين ؟ ))
هزت رأسها بأسى وقالت .. (( لا شيء سأستمر في العمل معك ولأنهل من المعارف التي تيسرها لي وفقط .. ))
توقف الرجل مفكرا بعمق وأخيرا نطق بصوت جاد وضع به كل تركيزه وقال لها ..
.. (( هذا الكلام لن أعيده عليك مرة أخرى يا حمدية .. لقد كنت أسعى لمساعدتك لأني كنت أرى الثمار سيكون جنيها قريبا جدا .. أما وأن يضيع كل شيء هكذا .. فمعذرة بنيتي .. ابحثي عن مكان آخر بعيدا عني .. ))
نظرت اليه حمدية مندهشة وقالت له ودموعها تغشي بصرها ..
.. (( هل تتخلى عني يا عم إبراهيم .. ))
قال لها الرجل بصرامة .. (( نعم أتخلى عنك إذا تخليت أنت عن حلمك .. اذا أكملت بالكلية سأكون دعما لك .. مشكلة الكتب سأسعى لدي معارفي بسور الأزبكية للحصول على الكتب القديمة والمستعملة وبأسعار زهيدة
مشكلة أن الظروف صعبة ... فلن تكون أصعب مما مررت به من قبل
لذا اذا استسلمت هكذا بسهولة فلن تكوني حمدية ابنتي التي أعرفها ))
قالت حمدية بصوتها الباكي .. (( ولكن الكلية فعلا فوق طاقتي .. فأنا لم أفهم حرفا واحدا مما بها .. ))
قال لها بود .. (( لست وحدك لو نظرت لجميع من حولك ستجدين أنهم مثلك .. فهم جدد بها ولم يسبقوك فيها بشيء .. ))
ظل الرجل يحاورها ويحاول الرفع من عزيمتها
وأخيرا عندما وجد هذا اليأس متمكنا منها
طلب منها ألا تعود إليه مطلقا إلا إذا كانت تريد منه كتبا تتعلق بكلية الطب وفقط
وصرفها من عملها ومن رياضها التي كانت تتنعم فيها
وانطلقت حمدية وهي تشعر بأنها قد خسرت كل شيء حقا
ما أصعب أن تضع اللقمة بفم جائع ثم تنتزعها بسرعة وقوة قبل أن يبدأ في مضغها
ظلت حمدية تتفكر كثيرا في كلمات عم إبراهيم لها ..
هي تعلم بأنه يضغط عليها بحيث لا تجد لها منفذا سوى كلية الطب
ووجدت جملة قد وقعت منها موقعا خاصا
كل هؤلاء الطلبة .. الكلية جديدة بالنسبة لهم وحتما مسألة عدم الفهم هذه مشتركون فيها
وإن كان هناك البعض يظهر عليهم غير ذلك
ولهذا
قررت أن تستمر فيها لمدة أسبوع آخر لتستكشف الكلية أكثر ولا تحكم عليها من أول يوم لها فيها
وقد كان ..
في اليوم التالي لها بالكلية .. بدلا من العزلة التي كانت تتحاشى بها الجميع
بدأت تتفحص بعينها كل من حولها .. وأخيرا وقعت عيناها على طالبة تجلس أيضا في ركن قصي ويظهر عليها كل آمارات اليأس والإحباط وضعف الإمكانات مثلها تماما
فذهبت اليها وسلمت عليها وقالت لها ..
.. (( حمدية الشرنوبي .. )) وضحكت قائلة .. (( أعلم بأنه اسم من أيام ما قبل التاريخ ولكنه نصيبي .. ))
وكأنما كانت بساطة حمدية وتلقائيتها هذه هي المدخل المناسب لتلك الفتاة التي بادلتها الابتسام وقالت لها ..
.. (( زينب حسني )) من العباسية هنا بجوار الكلية
سألتها حمدية باهتمام وقالت لها .. (( أستحلفك بالله أن تخبريني هل فهمت حرفا من كل المحاضرات التي استمعنا لها ؟؟ ))
قالت لها زينب بأسى .. (( بالطبع لا .. أشعر أني جئت هذا المكان خطئا وأني لست أهلا له .. ))
شعرت حمدية بكل سعادة الدنيا وقالت لها .. (( لست وحدك وأشعر بأن كل من حولنا هكذا وإن كانوا يتظاهرون بالنقيض .. ))
واذا بها تتدخل في الحديث معهما قائلة .. (( بالفعل كل من حولك يتظاهرون بغير حقيقتهم .. ))
التفتت حمدية نحو هذه المتدخلة التي لم تسمع سوى صوتها الهاديء
فإذا بها تحمل وجها صبوحا ممتلئا شديد البياض يشع طيبة ونورا عجيبين وببسمتها الجميلة أكملت قائلة .. (( رحاب الصبان .. زميلة لكما بنفس الدفعة ))
تفحصتها حمدية بشبه دهشة فقد كان يظهر عليها آثار العز .. فما الذي دفعها للحوار مع هاتين المشردتين ؟ ! ..
في حين قالت لها زينب بدهشة .. (( لا تقولي أنك قريبة له .. ))
ضحكت رحاب وقالت .. (( نعم أنا ابنته ))
قالت لهما حمدية بتساؤل شديد .. (( أشعر أني أجلس في المكان الخطأ .. فلست أفهم شيئا ))
شدت زينب بقوة على يد رحاب مرحبة بها وقالت لحمدية .. (( إنها ابنة رجل الأعمال الكبير سعد الصبان والذي اسمه وصورته يملئان كل وسائل الإعلام .. ))
إزدادت دهشة حمدية أضعاف ما كانت ..
فأبناء هذه الطبقات لهم وسط معين لا يخرجون عنه
وأسلوب حياة مخصص لهم
كيف تجلس معهما هكذا في المدرجات الأخيرة وهي التي تتقرب لهما بكل بساطة على غير العادة
سلمت حمدية عليها بحذر شديد .. وحاولت الخروج بالحوار خارج دائرة الانبهار برحاب وأبيها .. فقالت ..
.. (( ولكن ليس أبدا من التظاهر أن بعض الطلبة يتجاوبون مع الأساتذة بشكل رائع .. ))
قالت رحاب بهدوء .. (( هم بضعة طلبة إما أبناء لأطباء أعطوهم بعض المفاتيح قبل البدء في الدراسة .. او أنهم طلبة متعجلون وبدءوا الدروس الخاصة مبكرا ))
شعرت حمدية بالراحة الشديدة لهذا التبرير
كان خروجها عن عزلتها امرا رائعا بالفعل فقد اقتنعت الآن قناعة تامة بأنها ليست وحدها العاجزة .. وهذا مؤشر جيد على أن الأمل ما زال باقيا لها ..
ولم تتمالك نفسها من سؤال رحاب قائلة .. (( وترى هل بدأت دروسك الخاصة مبكرا مثلهم ؟؟ ))
ضحكت رحاب وقد فهمت مغزى السؤال فربتت عليها وقالت لها بكل بساطة ..
.. (( أريد أن أخبرك بشيء هام جدا .. أنا لا أحب أبدا التعامل على أساس أني ابنة رجل ثري أو رجل أعمال شهير .. فهو قد صنع نفسه .. وأنا أيضا أريد أن أصنع نفسي بنفسي ولا أكون قائمة على عظام آبائي .. ))
ضحكت حمدية وقالت .. (( قولي مصطلح أنك تريدين أن تكوني عصامية لا عظامية ))
بادلتها رحاب الضحك وقالت لها .. (( هي كذلك بالفعل .. فهل تقبلان صحبتي على هذا الأساس .. ))
قالت زينب بفرحة .. (( بالطبع نقبلها ونشرف بها ))
في حين قالت حمدية بتحفظ .. (( والله طالما لم نر منك سوءا فهو مكسب رائع لنا .. ))
وبدأت المحاضرة التالية لتنهي هذا الحوار الثلاثي بينهن .



يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:32 pm

الحلقة السابعة

كان عبد الجليل عائدا من عمله الذي يستنزفه بدنيا تماما .. كانت كل آمارات الإرهاق والتعب بادية عليه .. حتى أنه كان يتوق إلى أي فراش ليرتمي عليه بسرعة ..
كان الجو هادئا ولا صوت بالداخل مما يوحي بعدم تواجد أحد به .. وبرر ذلك بأنه جاء مبكرا ولم يتعطل في المواصلات اليوم ..
وبينما هو ينسل بهدوءه المعهود .. اذا بأذنيه تلتقطان صوت نهنهة مكتومة ..
توقف مكانه وركز سمعه ليتأكد مما أثار انتباهه ..
وتأكد فعلا من ذلك ..
فتعجب ترى من هذا الصامت الذي يحاول كتمان ما به ..
كان الصوت آتيا من ناحية الركن الذي ترتاح به أمه وأخته ..
ترى هل هي حمدية وعادت باكية من كليتها ؟
طرق الباب بهدوءه الذي لا يعرف سواه ..
فإذا بصوت أمه الذي تحاول الباسه غير حقيقته تتسائل من الطارق أخبرها بأنه عبد الجليل فأذنت له بالدخل .. فدخل وهو يرى كل آثار كفكفتها لدموعها ..
فذهب وجلس ملتصقا بها ووضع ساعده على كتفها وضمها اليه بحنان وقال لها ..
.. (( ما بك يا أمي ؟ ))
قالت .. (( لا شيء يا ولدي .. ))
تسائل متعجبا .. (( عجيب أنك بالمنزل في هذا التوقيت .. هل طردك أحد أو أهانك في أعمالك التي تقومين بها ؟ ))
هزت رأسها نافية وبينما هي تفعل التقطت عينا عبد الجليل بجانب جبهتها كدمة زرقاء كبرى .. ففزع ونزع ساعده وأمسك برأسها ليفحصها ويرى ما بها وقال لها بجزع ..
.. (( ما الي حدث يا أمي ؟ .. أستحلفك بالله أن تخبريني .. هل آذاك أحد أو اعتدى عليك بالضرب ؟ ))
وكأنما كان اكتشاف ولدها لآثار ما بها قد كسر كل مقاومتها فانفجرت باكية .. فضمها عبد الجليل الى صدره وسالت دموعه معها وقال لها ..
.. (( كفاك يا أمي الحبيبة وفقط أخبريني بمن فعلها وأقسم أن أجعله يركع أمامك هنا طالبا للغفران .. ))
قالت أمه بصوت متهدج .. (( لم يلمسني أحد يا ولدي إنه أنا التي بدأت أفقد بصري .. ))
شعر عبد الجليل بقبضة تعتصر صدره وتداعت الى ذاكرته بعض المشاهد التي كانت تمر عليه ولا يعطيها انتباها ..
ذات يوم حينما طلب منها أن تناوله الملعقة التي بجوارها وهي تقول له لا توجد ملاعق بجواري
مرة أخرى عندما سقطت منها السكينة أثناء إعدادها لوجبة العشاء وظلت تتحسس الأرضية كثيرا حتى لمستها رغم أنها كانت ظاهرة
وغيرها الكثير مثل هذه المشاهد وهي صامته لا تشكوا أو تريد أن تلفت انتباه أحدهم
فقال لها .. (( وما الذي حدث لك اليوم يا أمي ؟؟ ))
قال له بصوتها الباكي .. (( لم أكن أرى درجات السلم أمامى وهويت متدحرجة من أعلاه لأسفله ))
شعر عبد الجليل بكل ألم الدنيا لأجل أمه فقال لها بصوت يقطر أسى ..
.. (( حسنا يا أمي سنذهب في الغد بإذن الله الى مستشفى عين شمس الجامعي لنكشف عليك في قسم العيون ))
هزت رأسه قائلة (( لقد اشتريت إحدى قطرات العين من الصيدلية منذ أسبوع ولكنها لم تفد بشيء .. بصري في طريقه الى الذهاب بالفعل يا ولدى فلا داعي للتكلفة التي لن تجدي بشيء ))
كان عبد الجليل يشعر بكل عجز الدنيا فلا يوجد مصدر لهذه التكلفة بالفعل
ولكنها أمه ولا يمكن أن يقف هكذا صامتا .. سيفعل أي شيء لأجلها ..
فقال لها أنا عائد إلى عملي الآن يا أمي كي أستأذن صاحب المطعم في التغيب صباح الغد
وبإذن الله سنذهب ونقوم بعمل اللازم ..
كانت أمه غير قادرة على الكلام من الألم الذي يعصف بجسدها على أثر السقطة التي حدثت لها .. فكفكت دموعها وقالت له ..
.. (( كما ترى يا ولدي .. ))
فقام عبد الجليل واندفع خارجا وقد تناسى كل ما به من إجهاد وألم ..

*****

دخلت رحاب قاعة المحاضرات وأخذت تبحث ببصرها عن حمدية وزينب ورأتهما في مكانهما المعتاد بأقصى مكان بالقاعة .. فذهبت اليهن وجلست بجوارهن وبعد السلام وتحية الصباح أخرجت من حقيبتها كتابين ضخمين ومدت يدها بالأول الى زينب وبالآخر الى حمدية .. تناولت زينب منها الكتاب وهي تتفحصه وترى ما هو .. في حين سألتها حمدية قبل أن تمد يدها قائلة .. (( ما هذا ؟؟ ))
قالت لها رحاب ببساطة .. (( إنه كتاب علم الخلايا والأنسجة حصلت على نسختين لكما حين شرائي له كهدية تعارف .. ))
شكرتها زينب بحرارة على كرمها وطيب أخلاقها ..
في حين لم تستطع حمدية أن تخفي تمعر وجهها بألم ما وقالت وهي تبتسم ابتسامة متكسرة
.. (( أنا فعلا عاجزة عن شكرك ولكنه لدي بالفعل .. ))
ارتبكت رحاب وترددت ولم تدري ماذا تفعل فما كان منها إلا أن سحبت الكتاب بحرج وقالت لها .. (( يا خسارة كنت أريد أن أستطيع مفاجئتك بهديتي ولكنك سبقتيني .. حسنا يا دكتورة .. يبدوا أنك دوما سباقة وسوف تسبقيننا في كل شيء .. ))
عقدت حمدية حاجبيها في ألم لم تستطع إخفاء آماراته وهي تموج بانفعالات عجيبة جدا لأول مرة تجربها ..
فهي اعتادت على تقبل الصدقات .. وتربت على أن دوما هناك يدا عليا تعطيها ..
لماذا كان هذا رد فعلها مع صديقة تتقرب لها .. وتمد لها يد العون بشيء هي في أشد الحاجة اليه فعلا .. ؟؟ ..
ربما كان ذلك بسبب أنها في السابق كانت معدومة الأمل والطموح في أي شيء ..
وبالتالي كانت كل الأمور بالنسبة لها سيان .. وكانت حياتها مجرد تعداد للأيام وفقط
أما الآن وقد بدأت تشعر بكيانها وذاتها ..
بعد أن بدأت في تحطيم المستحيل ..
بدأت تركيبتها النفسية الحقيقة في الظهور ..
فهي رغم الاستكانة الماضية إلا أن بداخلها عنادا كان ينتظر ما يستحثه على الاشتعال
وقد جاءت هذه الفرصة ..
فرحاب رغم طيبتها وأخلاقها وانها لم تحاول أبدا أن تعاملهن على أنها الأفضل
إلا أن حمدية كانت تعاملها بندية تامة ..
فهي دخلت كلية الطب بمجهودها الشخصي وبعقلها وقدراتها مثلها تماما بل قد يكون ذلك بأفضل منها .. فرحاب قد تكون لديها كل الامكانات التي أهلتها للدخول بسهولة
أما هي فقد نحتت في الصخر كي تصل ..
لهذا كان رد فعلها السابق ..
وتوتر الجو وتكهرب بين الثلاث مرة واحدة .. زينب انتباها الإحراج فقد ظهرت كأنما هي انتهازية مع رد فعل حمدية .. وحمدية شعرت بشعور مركب عجيب بين الشعور بالعجز الحقيقي .. ومحاولة دفعه بتصرفها .. وكذلك بالألم لرؤيتها احراج رحاب الشديد
ورحاب التي وضعت بموقف لأول مرة تجربه .. ولم تفه سوى بجملتها السابقة
وأنقذ الجميع من هذا الموقف بدء المحاضرة ..

****
وقف عبد الجليل في طابور طويل جدا غير منتظم بأيي حال من الأحوال ..
فهو قد توقف مكانة تقريبا نصف الساعة لا يتحرك بسبب أن الطابور الافتراضي هذا يتم اختراقه من جميع الجوانب من الأمام
وهو واقف مستكين ينتظر تحركه ..
وأخيرا وصل الى شباك تذاكر الكشف بالمستشفى
دفع المبلغ الزهيد واستلمها غير مصدق بأنه قد فعلها ..
واصطحب أمه ليقف في طابو آخر أعجب من الأول ..
فهو قد حان دوره خمس مرات ولكن لا يسمحون له بالدخول أبدا .. فدوما يدخل احدهم أو إحداهن بصحبة ممرضة أو برفقة شخص مهندم الثياب
وعندما يتم الاعتراض من أحد الواقفين يتم طرد الجميع للخارج
وبعد خمس دقائق يتم تشكيل الطابور من جديد
وهكذا ..
وأخيرا استطاع الدخول الطبيب
فإذا به شاب صغير السن برفقه طبيبه في مثل سنة .. التي قامت واقفة وقالت لزميلها .. .. (( انا ذاهبة الى الكافيتريا لتناول أي شيء بارد في هذا الحر .. ))
فلم يتردد الطبيب من الوقوف قائلا ..
.. (( بالفعل الجو صعب جدا .. كفانا تعب اليوم .. ))
مد عبد الجليل يده بالتذكرة الطبية قائلا للطبيب .. (( لو سمحت يا دكتور أمي .. ))
قاطعه الطبيب قائلا بغير عناية .. (( تعال في الغد لقد أنهينا كشوفات اليوم .. ))
أسقط في يد عبد الجليل .. فهو لم يذكر لأمه بأن صاحب المطعم قد خصم له هذا اليوم بعمل يومين .. وهو كذلك قد تذوق المرار في زحام المواصلات برفقة أمه رغم قرب المسافة ..
وكذلك أمه التي يقتله الجزع عليها
فأمه التي لم تشكوا أبدا من قبل لم تعد تستطيع كبح جماح دموعها .. وهذا يعني بأنها قد تجاوزت كل حدود الاحتمال ..
ولكن رغم كل هذه الانفعالات التي تموج به .. لم يفه بحرف وخفض يده بالتذكرة وهو يهز يده الثانية بحيرة ..
ترى هل سيتمكن المجيء بها مرة ثانية ؟؟
وهل سيسمح له صاحب المطعم ؟؟
جر عبد الجليل قدميه برفقة أمه التي لم تفه بحرف وكانت أكثر استسلاما منه ..
كانت هناك ممرضة تشهد انكساره هذا .. فذهبت اليه وسألته ..قائلة .. (( هل الحالة عاجلة ؟؟ ))
قال لها .. (( عاجلة جدا ومن الصعب المجيء مرة أخرى .. ))
برقت عينا الممرضة بجشع .. فهو حالة مثالية ..
فقد كانت لها وظيفة أخرى غير عملها المعتاد بالمستشفى .. وهي اصطياد الزبائن لعيادة أحد الأطباء ولها مقابل على كل حالة ترسلها اليه ..
فقالت له .. (( سأعطيك عنوان عيادة عيون بجوار المستشفى هنا سيقوم باللازم لكما .. ولكي يعتني بكما أخبره أنك من طرف ميس هناء .. ))
سألها عبد الجليل باهتمام .. (( ما هي قيمة الكشف لديه ؟؟ .. ))
قالت له بغير عناية .. (( ليس كثيرا .. إنها فقط مائة وخمسون جنيها ولكن سيقوم بعمل كل اللازم .. ))
اتسعت عينا عبد الجليل وابتلع ريقه بصعوبه فراتبه في عمل شهر كامل فقط مائة وعشرون جنيها ..
فشكرها بصوت متردد ولكن الممرضة المتمرسة استشعرت عجزه .. فأصرت على الفوز بالصيد قائلة .. (( كم لديك الآن ؟؟ ))
قال لها عبد الجليل ليس معي سوى خمسة عشر جنيها
قالت له .. (( سأخدمك خدمة العمر .. تعطني الخمس جنيهات هذه .. وسوف أجعل أحد الأطباء هنا يكشف عليها بالعشرة الأخرى .. فما رأيك ؟؟ ))
رأي عبد الجليل الصفقة جيدة فقد هبط السعر الى نسبة العُشر ..
فقال لها .. (( موافق .. ))
فقالت له أمه .. (( لا داعي يا ولدي لكل هذا .. سأعتاد على الأمر .. ))
ربت عبد الجليل على كتفها وابتسم لها ابتسامه باهتة قائلا ..
(( فلتذهب الأموال الى الجحيم يا أمي .. المهم صحتك .. ))
وبعد دقائق فحصها طبيب بسرعة وقال له .. (( أمك تعاني من المياة البيضاء وهي تزداد بسرعة .. وسوف تتسبب في العمى التام مالم نقوم لها بعملية إزالة عدستي العينين .. ))
قال له عبد الجليل باهتمام .. (( هل سيتحسن بصرها بعد العملية هذه يا دكتور بشكل مؤكد ؟؟ ))
أومأ الطبيب برأسسه وقال له .. (( بالطبع .. ))
قال له عبد الجليل .. (( ما المطلوب لكي نعملها لها .. ))
كما هو الحال مع الممرضة .. شعر الطبيب بأنه صيد رائع ..
فقال له .. (( من الصعب عملها لكم هنا .. لذا من الممكن أن أدلك على مركز طبي رائع لعملها به وهناك ستجد عناية فائقة .. ))
وكان السؤال الطبيعي لعبد الجليل هو عن التكلفة .. وكان الرقم الذي جعله ينطلق وهو يشعر بأنه مثقل بفولاذ يشل كل حركاته وأفكاره وقدرته حتى على النطق ..
واقتاد أمه وهو يكتم دموعه بصعوبة شديدة
وأفلتت منه دمعة سريعة مسحها بسرعة قبل أن تلتقطها عينا أمه
وأخذ يفكر في أي وسيلة يستطيع بها فعل شيء لأمه
ولم يكن يدرى بأن هذا لأمر سيكون مقدمة لأمر جلل لا يخطر له على بال بأي حال من الأحوال ..


يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:33 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة الثامنة


.. (( هل تريدين شيئا آخر يا بنيتي .. ؟؟ ))
نطقت بها نبوية تلك المربية العتيقة المسئولة عن خدمة رحاب بكل حنان وود ..
فهي بمثابة الأم لها بعد وفاة والدتها وهي ما زالت طفلة بعد .. وهي القائمة على رعايتها وكل ما يخصها .. وهل تفعل ذلك ليس لأجل الراتب وفقط .. ولكن لأنها ارتبطت بها ارتباطا وثيقا لا فكاك منه حتى أصبحت حقا بمثابة أحب بناتها إلى قلبها
ورحاب أيضا لم تعاملها قط على أنها تعمل عندهم ولم يكن هذا بالحديث وفقط كمجاملة لها
بل كانت شعوريا أيضا تمنحها كل الحب والمشاعر الطيبة ..
وكل ما كان يلم بها كانت تضع رأسها على صدرها وتبكي وتفرغ بين يديها كل ما تعاني منه ..
نظرت اليها رحاب بكل ود وقالت .. (( شكرا جزيلا ماما نبوية .. سأحاول التحصيل قليلا ثم أخلد الى الراحة بعدها .. ))
كعادتها أخذ لسانها يلهج لها بالدعاء .. وحملت أكوابها وتركتها وخرجت ..
وبعدها بنصف الساعة ..
كانت رحاب فاتحة كتابها على إحدى صفحاته وهي تضع رأسها بين يديها وفكرها كله يطير بعيدا ..
الى حمدية ..
فمنذ أن رأتها بالصدفة في ركن قصي وهي تبكي بكاءا حارا وقد تمزق قلبها لأجلها ..
فكرت وقتها أن تذهب اليها لتضم رأسها إلى صدرها وتمسح عليه وتحاول أن تواسيها بأي كلمة ..
ولكن كعادتها لا تقدم على خطوة إلا بعد أن تدرسها جيدا .. توقفت قليلا وتفكرت لو أنها في موضعها ماذا سيكون رد فعلها ؟؟ ..
بالطبع ستمسح دموعها مسرعة وتذكر أن السبب أي شيء غير الحقيقي لما هو بها
لذا ..
أفضل مواساة لها .. أن تسعى لمعرفة السبب الحقيقي لمعاناتها ومحاولة تخفيفه عنها
وإن كان السبب واضحا جليا على محياها .. وهو الفقر الشديد مصحوبا بأنها دخلت بيتا تشعر بالغربة والعجز فيه ..
ولهذا فكرت بأن تتقرب لها في حالتها الطبيعة وتحاول مصاحبتها وبعد ذلك تخترق خصوصيتها .. وبعد الصداقة يمكنها مساعدتها بشتى الطرق ..
ونجحت في الخطوة الأولى معها هي وزينب ..
ولكن ..
فشلت فشلا ذريعا في الخطوة التالية ..
ربما لأنها لم تدرس نفسيتها بشكل كامل لتعلم ما الذي تتقبله وما الذي ترفضه ..
والآن وبعد أسبوعين من الدراسة ..
وبعد أن انضمت هي وزينب وحمدية لأسرة ابن النفيس التي يقوم أوائل الطلبة بها بعمل دروس خصوصية كمساعدة لزملائهم الجدد قبيل بدء اليوم الدراسي ..
وكذلك كان من نشاط الأسرة أن يقوم الطلبة القدامي بها بمنح زملائهم الجدد كتب الأعوام الماضية والتي لم يعد لهم حاجة بها .. وذلك على سبيل الاستعارة ويقومون بردها بعد انتهاء العام والنجاح بإذن الله ..
وبهذا فقد بدأت الأمور في الانتظام مع الجميع ..
ولكن ..
كان الذبول الذي يظهر على حمدية ويستمر في الزيادة .. يوحي بأنها تعاني من أهوال كثيرة لا ترى بالعين ..
ورغم المواقف الكثيرة التي حاولت فيها رحاب مساعدتها بشتى الطرق المباشر منها وغير المباشر .. كانت حمدية ترفضها جميعها وتتهرب منها في إباء وعناد عجيبين
حتى أن رحاب وبشكل غير مباشر .. أقدمت على الخطوة التي كانت تظن بانها مقبولة وقد تكون النهائية .. فقد تركت لها وريقة ذات مرة بين ثنايا كتابها ..
ووقفت ترقب حمدية من بعد ووجهها يتمعر بنفس الألم المركب الذي يجمع ما بين الاحساس بالعجز والامتنان والعناد ..
وكانت هذه آخر محاولة من الممكن أن تؤني ثمارها مع حمدية ..
فقد كتبت لها مشاعر الحب بينهما وانها لا فارق بينهن .. وإنما كانت أقدار الله أن تولد كل منهما في ظروف مختلفة لا يد لها فيها .. وليست يدا عليا تمنح السفلى
وإنما هي أخوة وتكافل على حسب تعاليم الاسلام ..
ولهذا هي تعرض عليها سلفة مستمرة ومفتوحة تأخذ ما تريد في أي وقت
وبعد تخرجها وحينما تصبح طبيبة ناجحة تسدد كل المبالغ التي سحبتها
وهذه ندية تامة لا شيء فيها ..
وللأسف فشلت في ذلك أيضا ..
ولأن رحاب أيضا لا تحب الاستسلام السريع ..
وعقلها الرائع لا يكف عن الابتكار ..
ولأن هذه المشكلة أصبحت تشغلها بشكل غير عادي ..
فقد تركت كتبها وأطفأت أنوارها ..
وقامت تتمدد على سريرها وهي تعتصر ذهنها في وسيلة تغير من حال حمدية هذه ..
وبعد ساعة كاملة من تقليب الأمر على جميع وجوهه ..
ابتسمت بنصر وظفر ..
فقد أتتها الفكرة الرائعة التي تحسم بها كل شيء وتعالج الأمر من شتى جوانبه ..
وتدثرت باستمتاع وهي تتلهف بقوة الذهاب الى الكلية لتنفيذ مخططها الرائع .

*****

لأول مرة ينتبه صاحب العمل إلى عبد الجليل بهذا الشكل المبالغ فيه ..
فقد طرأ عليه تغيرا جديدا لم يعهده منه أبدا ..
فعبد الجليل الذي لم يشكوا أبدا من التعب والإرهاق .. وإن كانت آماراته كانت تصرخ بدلا من كلماته ..
ولكن في الآونة الأخيرة لحظ الرجل أن عبد الجليل كثيرا ما يرتمي جالسا على الأرض منهكا وهو يخرج أنفاسه بصعوبة ..
وعندما يدقق يجد آثار الدموع التي تتجمد قبل أن تخرج من مقلتيه ..
ظن الرجل بأن عبد الجليل مريضا .. وخشي أن يحدث لها حادث فيؤثر عليه
وقد يلزمه ذلك بدفع أي مصاريف له ..
لهذا فقد ناداه
وقال له .. (( هل أنت مريض يا عبد الجليل ؟ ))
قال له عبد الجليل في ارتباك .. (( لا أبدا وآسف لتقصيري ولن أفعلها بعد الآن .. ))
قال له الرجل باهتمام .. (( فقط أخبرني بحقيقة الأمر فقد استطيع مساعدتك .. ))
وكانما كانت كلمة المساعدة هذه بمثابة مفتاح سحري
فرغم أن عبد الجليل يعلم علم اليقين باستحالة حدوث ذلك من هذا الرجل .. إلا أنه كان يتعلق بأصغر قشة قد يجدها لتخرجه مما هو فيه ..
لهذا .. أفرغ بين يدي الرجل كل ما يعتمل به ..
اطمأن الرجل بأن الأمور لا ضير فيها ..
فهو لا يعنيه إن كانت أم عبد الجليل ستصاب بالعمي التام أو حتى الكساح
المهم أن العامل الذي امامه بكامل صحته ويمكنه العطاء المستمر بهذا المقابل الضئيل
وبالتالي يزيد له مكاسبه ..
ولكن واسى عبد الجليل بان أخبره بمحاولة ايجاد حل له في القريب العاجل وألا يقلق ..
وكطفل صغير .. كان عبد الجليل مصدقا لكلام الرجل وأنه حقا سيبحث في أمره
فتغير محياه .. وقد عاد إليه الأمل
وانعكس هذا على آدائع بالفعل .. فقد تحول الى حالة النشاط الزائد فجأة
وكانت تقع عيناه على الرجل كل فترة كأنما يستعرض أمامه لكي يهتم بالفعل ويرد له جميل عمله المتقن هذا ..
ولم يكن يعلم بان الرجل قد انصرف ذهنه تماما عن الأمر برمته ..
ولكن ..
ياللعجب .. فقد كان هذا الموقف هو صاحب التغيير الكلي بالفعل في أمر أمه

يتبع بإذن الله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:35 pm

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة الثامنة


.. (( هل تريدين شيئا آخر يا بنيتي .. ؟؟ ))
نطقت بها نبوية تلك المربية العتيقة المسئولة عن خدمة رحاب بكل حنان وود ..
فهي بمثابة الأم لها بعد وفاة والدتها وهي ما زالت طفلة بعد .. وهي القائمة على رعايتها وكل ما يخصها .. وهل تفعل ذلك ليس لأجل الراتب وفقط .. ولكن لأنها ارتبطت بها ارتباطا وثيقا لا فكاك منه حتى أصبحت حقا بمثابة أحب بناتها إلى قلبها
ورحاب أيضا لم تعاملها قط على أنها تعمل عندهم ولم يكن هذا بالحديث وفقط كمجاملة لها
بل كانت شعوريا أيضا تمنحها كل الحب والمشاعر الطيبة ..
وكل ما كان يلم بها كانت تضع رأسها على صدرها وتبكي وتفرغ بين يديها كل ما تعاني منه ..
نظرت اليها رحاب بكل ود وقالت .. (( شكرا جزيلا ماما نبوية .. سأحاول التحصيل قليلا ثم أخلد الى الراحة بعدها .. ))
كعادتها أخذ لسانها يلهج لها بالدعاء .. وحملت أكوابها وتركتها وخرجت ..
وبعدها بنصف الساعة ..
كانت رحاب فاتحة كتابها على إحدى صفحاته وهي تضع رأسها بين يديها وفكرها كله يطير بعيدا ..
الى حمدية ..
فمنذ أن رأتها بالصدفة في ركن قصي وهي تبكي بكاءا حارا وقد تمزق قلبها لأجلها ..
فكرت وقتها أن تذهب اليها لتضم رأسها إلى صدرها وتمسح عليه وتحاول أن تواسيها بأي كلمة ..
ولكن كعادتها لا تقدم على خطوة إلا بعد أن تدرسها جيدا .. توقفت قليلا وتفكرت لو أنها في موضعها ماذا سيكون رد فعلها ؟؟ ..
بالطبع ستمسح دموعها مسرعة وتذكر أن السبب أي شيء غير الحقيقي لما هو بها
لذا ..
أفضل مواساة لها .. أن تسعى لمعرفة السبب الحقيقي لمعاناتها ومحاولة تخفيفه عنها
وإن كان السبب واضحا جليا على محياها .. وهو الفقر الشديد مصحوبا بأنها دخلت بيتا تشعر بالغربة والعجز فيه ..
ولهذا فكرت بأن تتقرب لها في حالتها الطبيعة وتحاول مصاحبتها وبعد ذلك تخترق خصوصيتها .. وبعد الصداقة يمكنها مساعدتها بشتى الطرق ..
ونجحت في الخطوة الأولى معها هي وزينب ..
ولكن ..
فشلت فشلا ذريعا في الخطوة التالية ..
ربما لأنها لم تدرس نفسيتها بشكل كامل لتعلم ما الذي تتقبله وما الذي ترفضه ..
والآن وبعد أسبوعين من الدراسة ..
وبعد أن انضمت هي وزينب وحمدية لأسرة ابن النفيس التي يقوم أوائل الطلبة بها بعمل دروس خصوصية كمساعدة لزملائهم الجدد قبيل بدء اليوم الدراسي ..
وكذلك كان من نشاط الأسرة أن يقوم الطلبة القدامي بها بمنح زملائهم الجدد كتب الأعوام الماضية والتي لم يعد لهم حاجة بها .. وذلك على سبيل الاستعارة ويقومون بردها بعد انتهاء العام والنجاح بإذن الله ..
وبهذا فقد بدأت الأمور في الانتظام مع الجميع ..
ولكن ..
كان الذبول الذي يظهر على حمدية ويستمر في الزيادة .. يوحي بأنها تعاني من أهوال كثيرة لا ترى بالعين ..
ورغم المواقف الكثيرة التي حاولت فيها رحاب مساعدتها بشتى الطرق المباشر منها وغير المباشر .. كانت حمدية ترفضها جميعها وتتهرب منها في إباء وعناد عجيبين
حتى أن رحاب وبشكل غير مباشر .. أقدمت على الخطوة التي كانت تظن بانها مقبولة وقد تكون النهائية .. فقد تركت لها وريقة ذات مرة بين ثنايا كتابها ..
ووقفت ترقب حمدية من بعد ووجهها يتمعر بنفس الألم المركب الذي يجمع ما بين الاحساس بالعجز والامتنان والعناد ..
وكانت هذه آخر محاولة من الممكن أن تؤني ثمارها مع حمدية ..
فقد كتبت لها مشاعر الحب بينهما وانها لا فارق بينهن .. وإنما كانت أقدار الله أن تولد كل منهما في ظروف مختلفة لا يد لها فيها .. وليست يدا عليا تمنح السفلى
وإنما هي أخوة وتكافل على حسب تعاليم الاسلام ..
ولهذا هي تعرض عليها سلفة مستمرة ومفتوحة تأخذ ما تريد في أي وقت
وبعد تخرجها وحينما تصبح طبيبة ناجحة تسدد كل المبالغ التي سحبتها
وهذه ندية تامة لا شيء فيها ..
وللأسف فشلت في ذلك أيضا ..
ولأن رحاب أيضا لا تحب الاستسلام السريع ..
وعقلها الرائع لا يكف عن الابتكار ..
ولأن هذه المشكلة أصبحت تشغلها بشكل غير عادي ..
فقد تركت كتبها وأطفأت أنوارها ..
وقامت تتمدد على سريرها وهي تعتصر ذهنها في وسيلة تغير من حال حمدية هذه ..
وبعد ساعة كاملة من تقليب الأمر على جميع وجوهه ..
ابتسمت بنصر وظفر ..
فقد أتتها الفكرة الرائعة التي تحسم بها كل شيء وتعالج الأمر من شتى جوانبه ..
وتدثرت باستمتاع وهي تتلهف بقوة الذهاب الى الكلية لتنفيذ مخططها الرائع .

*****

لأول مرة ينتبه صاحب العمل إلى عبد الجليل بهذا الشكل المبالغ فيه ..
فقد طرأ عليه تغيرا جديدا لم يعهده منه أبدا ..
فعبد الجليل الذي لم يشكوا أبدا من التعب والإرهاق .. وإن كانت آماراته كانت تصرخ بدلا من كلماته ..
ولكن في الآونة الأخيرة لحظ الرجل أن عبد الجليل كثيرا ما يرتمي جالسا على الأرض منهكا وهو يخرج أنفاسه بصعوبة ..
وعندما يدقق يجد آثار الدموع التي تتجمد قبل أن تخرج من مقلتيه ..
ظن الرجل بأن عبد الجليل مريضا .. وخشي أن يحدث لها حادث فيؤثر عليه
وقد يلزمه ذلك بدفع أي مصاريف له ..
لهذا فقد ناداه
وقال له .. (( هل أنت مريض يا عبد الجليل ؟ ))
قال له عبد الجليل في ارتباك .. (( لا أبدا وآسف لتقصيري ولن أفعلها بعد الآن .. ))
قال له الرجل باهتمام .. (( فقط أخبرني بحقيقة الأمر فقد استطيع مساعدتك .. ))
وكانما كانت كلمة المساعدة هذه بمثابة مفتاح سحري
فرغم أن عبد الجليل يعلم علم اليقين باستحالة حدوث ذلك من هذا الرجل .. إلا أنه كان يتعلق بأصغر قشة قد يجدها لتخرجه مما هو فيه ..
لهذا .. أفرغ بين يدي الرجل كل ما يعتمل به ..
اطمأن الرجل بأن الأمور لا ضير فيها ..
فهو لا يعنيه إن كانت أم عبد الجليل ستصاب بالعمي التام أو حتى الكساح
المهم أن العامل الذي امامه بكامل صحته ويمكنه العطاء المستمر بهذا المقابل الضئيل
وبالتالي يزيد له مكاسبه ..
ولكن واسى عبد الجليل بان أخبره بمحاولة ايجاد حل له في القريب العاجل وألا يقلق ..
وكطفل صغير .. كان عبد الجليل مصدقا لكلام الرجل وأنه حقا سيبحث في أمره
فتغير محياه .. وقد عاد إليه الأمل
وانعكس هذا على آدائع بالفعل .. فقد تحول الى حالة النشاط الزائد فجأة
وكانت تقع عيناه على الرجل كل فترة كأنما يستعرض أمامه لكي يهتم بالفعل ويرد له جميل عمله المتقن هذا ..
ولم يكن يعلم بان الرجل قد انصرف ذهنه تماما عن الأمر برمته ..
ولكن ..
ياللعجب .. فقد كان هذا الموقف هو صاحب التغيير الكلي بالفعل في أمر أمه

يتبع بإذن الله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:37 pm


طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة التاسعة


دخلت حمدية وهي تجر قدما وتؤخر الأخرى وهي تشعر بحرج شديد
وإذا به يقوم من على كرسيه بهدوء ويتوجه اليها ببسمة لطيفه تزين وجهه الوسيم ويقف أمامها متسائلا بصوته الحاني ..
.. (( بماذا تأمرين يا آنسة .. ))
قالت له بتردد .. (( أليست هذه هي صيدلية الضحى .. وحضرتك د. موسى ؟ ))
حافظ على بسمته الجميلة وهو يقول
.. (( نعم بالضبط .. ))
فقالت له وهي لا تستطيع النظر لوجهه .. (( أنا حمدية الشرنوبي من كلية طب عين شمس و .. ))
قاطعها قائلا .. (( آه .. أهلا وسهلا بك .. تفضلي فنحن ننتظرك .. ))
وأشار الى الباب الداخلي داعيا إياها بالدخول بدلا من التوقف في موضع الزبائن ..
دخلت حمدية وهي تتطلع الى الصيدلية بمكوناتها وهي تتعجب كيف لم تر هذه الصيدلية من قبل رغم أنها كائنة بحي الشرابية الذي تقيم بضواحيه
وما أعجبها بشدة أن الصيدلية رغم أنها بحارة ضيقة وجانبية إلا أن زوق تصميمها عال جدا .. وألونها جميلة ومختارة بعناية وفن
وكانت في منتهى النظام والترتيب .. مما أشعرها بالراحة النفسية الشديدة
استقبلها د. موسى وأشار لمقعد داعيا إياها للجلوس قائلا ..
.. (( أهلا بك في صيدلية الضحى .. ))
جلست وهي تبحث عن أي شخص سواه بالصيدلية ولم تجد ..
فقالت له .. (( جئت للتدريب التابع لأسرة ابن النفيس .. فقد تم توزيعنا على الصيدليات على حسب محل الإقامة .. ))
جلس على الكرسي المواجه لها وقال لها ..
.. (( نعم أعلم ذلك فقد جائني مقرر الأسرة واتفق معي على البرنامج التدريبي لك ولزميلة أخرى اسمها مروة .. وتم توزيعكما بحيث تأتي إحداكما في أيام مختلفة .. أنت أيام الأحد والثلاثاء والخميس .. وهي أيام السبت والاثنين والأربعاء .. ومواعيد التدريب هي خمس ساعات من الثانية ظهرا حتى السابعة مساءا .. ))
تلفتت حمدية حولها كأنما ما زالت تبحث عن رفقة وقالت له :
.. (( ولماذا لا نأتي نحن الاثنتين سويا في موعد واحد ؟ ))
تنحنح وقال لها بهدوء من الواضح أنه سمته المعهود .. (( من تجربتنا في تدريب طلبة الصيدلة لن تستفيدوا شيئا اذا أتى أكثر من شخص في نفس التوقيت ))
لم تستطع حمدية أن تنظر لعينيه وهي تقول له ..
.. (( وكيف سيكون التدريب يا دكتور ؟ .. ))
.. (( بكل بساطة تصنيف الأدوية عندنا مختلف عن معظم الصيدليات لأنها ليست مرتبة على حسب الترتيب الهجائي لأسماء الأدوية
وإنما مرتبة على حسب الإستخدام الدوائي .. وبهذا مجرد أن تعرفوا أسماء الأدوية واستخدام الشائع منها هو مكسب كبير لكم
فبما أنكم طلبة بكلية الطب ينظر اليكم معارفكم واهليكم على أنكم تعرفون كل شيء
وبالتالي لابد وأن يكون لديكم جواب لمن يشتكي من الصداع أو المغص او ما شابه من الأعراض العامة .. ))
قالت حمدية بهدوء .. (( نعم فقد شرحوا لنا الهدف من التدريب ولهذا اشتركت معهم ومن الرائع فعلا أنكم توافقون على إفادتنا بهذا الشكل .. ))
وبعد قليل وبلا تضييع للوقت كانت حمدية قد بدأت في تفحص الأدوية وتسجيل أسمائها والغرض من تعاطيها في دفترها لتقوم بعد ذلك بحفظها ..
ومرة الأسبوعان بسرعة التزمت فيهما حمدية بالمجيء اليومي في موعدها
وبالفعل خرجت حمدية من هذه الفترة وقد استفادت بشكل رائع
وشعرت بأن لديها محصلة رائعة من التطبيقات الطبية بشكل عام
ولكن قبيل حصولها على شهادة بالتدريب من الصيدلية وانصرافها
كان في انتظارها مفاجأة رائعة ..

******

كان صاحب المطعم الذي يعمل به عبد الجليل يعيش إحدى أهم لحظات حياته ..
فقد كان محلقا في سماء الوهم والخيال والنشوة الكاذبة بعد تعاطيه لتلك المواد الغريبة التي دسها في سيجارته وتناولها وراء أخواتها في تتابع بدون ملل لمدة ساعتين
وكانت الرؤية مشوشة أمامه تماما والأصوات تأتي من قاع بئر سحيق وبصدى عجيب
ويبدوا أن هذا الجو الذي يعد انسلاخا كاملا عن الواقع قد أطلق لسان رفيقه
الذي قال له بصوت متقطع ..
.. (( الله لو تكتمل صفقتي التي أسعى بها الآن .. ستكون قفزة هائلة لي .. ))
ضحك صاحب المطعم بهستيرية وقال .. (( صفقة مخدرات ؟؟ .. ستتعاطاها معنا ولن تبيع منها شيئا .. ))
قال له رفيقه .. (( لا يا خفيف المخدرات مخاطرها كثيرة ومكاسبها لم تعد كالسابق والسوق أصبح ممتلئا بكل تافه وحقير لينافسنا فيه .. أما هذه فتجارة أخرى مكاسبها بلا مخاطر وفائقة وبلا ذرة تعب .. ))
رغم الغيبوبة التي كانت تعبق وعي الرجل إلى أن الجملة شحذت جزاء من وعيه
وقال له .. (( أي تجارة هذه ؟؟ ))
.. (( وهل أنا كالحمار كي أخبرك .. ))
ضحك الرجل بنفس الهيستيرية وقال .. (( أنت ألعن من الحمار .. ))
شعر الآخر بغيظ شديد وقال له .. (( الحمار الذي أمامك مكسبه قد يصل الى نصف المليون في الصفقة الواحدة التي لا تستغرق أكثر نصف يوم .. ))
أزال الرقم معظم الغشاوة عن عقل الرجل .. وهز رأسه بعنف وشعر بها مثل البيضة التي ترتج من الداخل مسببة له صداعا عجيبا
وأمسك بيد رفيقه وقبلها قائلا له في رجاء ..
.. (( أُقبل يد أبيك .. أخبرني ما هي .. ولا تدري ربما يكون حل مشكلة صفقتك الجديدة عندي .. ))
انتشى الرجل أكثر وأكثر برد الفعل هذا وقد أعجبه للغاية ..
فتصنع التفكير العميق .. ثم قال ببطء ..
.. (( أعتقد حقا بأنك قد تفيدني .. ولكن اعلم أن أول مبدأين وأهمها عندي يجب عليك الالتزام بهما التزاما تاما وأي مخالفة أو حتى الشك سينتهي كل شيء ويتبخر بسرعة ))
كان أثر المخدرات قد ذهب فعلا من رأس الرجل وبشكل عجيب ينافي كل القواعد العملية
فقال له بتهدج ..
.. (( كلمات معاليك أوامر واجبة التنفيذ ولا نقاش فيها .. ))
إزداد الرجل تعاليا وثقة وانتشاءا وقال بأهمية مصطنعة وببطء ..
.. (( القاعدة الأولى السرية التامة والمعرفة على قدر الحاجة .. لا تنتظر معرفة أكثر من المطلوب منك وفقط .. واذا حاولت تفهم أي شيء أو البحث عن شيء لا يخصك تكن نهايتك .. ))
هز الرجل رأسه بقوة موافقا على المبدأ الأول
فأكمل رفيقه قائلا .. بنفس الإيحاء بالخطورة ..
.. (( القاعدة الثانية لا يوجد أي محاولة للفصال أو النقاش فيما يُحدد لك من أسعار لخدماتك .. ))
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة وهو يعلم بأن رفيقه يبتزه لكي يأكل نصيبه .. ولكن لأنه متلهف جدا لدخول هذا المجال الغامض ذو الأرباح الكبيرة فتقبل ذلك وبعد تعمقه في الأمور سوف تختلف الأمور حتما .. وأعلن له موافقته هذه ..
فقال له الرجل وقد بدأت الاهتمام الفعلي عليه ..
.. (( حسنا اليك المطلب الأول وهو إختباري لك .. لو نجحت فيه .. سيكن لك مبلغ عشرون ألف جنيه دفعة واحدة .. ))
هم الرجل أن يهب صارخا فيه كيف أنه سيكسب مئات الألوف ويلقي اليه بهذا الفتات
ولكن تذكر ما وعده به من لحيظات وتذكر هدفه الأكبر .. فضغط على أسنانه بغيظ مكتوم
وقال له ..
.. (( كلي آذان صاغية .. ما هو مطلبك الأول .. ))

*****

كانت حمدية داخلة الى قاعة المحاضرات وهي تكاد أن تحلق في سمائها من الفرحة التي تهزها ..
وبحثت بسرعة عن زينب ورحاب واندفعت اليهما وهي تكاد تتعثر بخطواتها ..
وبكل شجن قالت لهما .. (( باركو لي .. ))
نظرت اليها زينب باهتمام منتظرة الخبر .. في حين التمعت الفرحة في عيني رحاب وهي تقول لها .. (( ألف مبرووك .. ولكن على أي شيء .. ))
قالت بحروف متقافزة .. (( بالأمس حدثت مفاجأة رائعة .. قبيل ذهابي من الصيدلية التي كنت أتدرب بها اذا بالدكتور المدير بها أشاد بي وقال بأني من أفضل كل طلبة الصيدلة الذين تدربو عنده من قبل وأني في أسبوعين فقط قمت بتحصيل مالم يستطيعو فعله في أشهر عديدة .. ولهذا ولتميزي عرض علي العمل بالصيدلية في نفس التوقيت الذي كنت أتدرب به يوميا وهو سيتسلم الصيدلية مني فترة المساء وفقط وعرض علي راتب أربعمائة جنيه في الشهر .. ))
سالت دمعة فرحة حقيقية من عيني رحاب وهي تقول لها .. (( مبارك حبيبتي أنت تستحقين أكثر من هذا .. ولكن ماذا ستفعلين في محاضرات يوم الأربعاء التي تنتهي في الثالثة عصرا ؟؟ ))
قالت حمدية وما زالت الفرحة تتقطر من حروفها .. (( أخبرته عن ذلك فوافق على التأخر في هذا اليوم مقابل المجيء باكرا في يوم آخر .. ))
كانت رحاب تهم بأن تحتضنها لولا تواجدهم بقاعة المحاضرات والسعادة التي تكتنفها ربما أكبر وأغزر مما تشعر به حمدية نفسها ..
وقد شعرت بالرضا التام لنجاح خطتها التي سعت لها بهدفها النبيل ..
فهي التي سألت قريبها الصيدلي عن صيدلية قريبة من غمرة أو الشرابية واتفقت مع مديرها على اتفاق خاص بتشغيل حمدية لديه ولكي يأتي الأمر بطريق غير مباشر
سعت إلى مقرر أسرة ابن النفيس باقتراح نشاط للأسرة بتدريب بعض الطلبة بالصيدليات
بشرط أن تكون حمدية بهذه الصيدلية ..
وسار كل شيء كما أعدت له تماما ..
وانغمست هي وحمدية في عبارات التعبير عن السعادة
ولم تنتبه إحداهما الى زينب التي لم تفه بحرف سوى بجملة خافتة بينها وبين نفسها
وهي تقول .. (( يالك من محظوظة !! .. ))
يتبع بإذن الله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
هزيم الألم
 
 
هزيم الألم


عدد الرسائل : 1459
العمر : 39
البلد : مصر
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Empty
مُساهمةموضوع: رد: طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد   طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد Emptyالخميس مارس 04, 2010 3:39 pm


طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد 1m9f4ep48g85j6pptau

الحلقة العاشرة

نادي صاحب المطعم على عبد الجليل ولأول مرة يقدم له كرسيا داعيا إياه بالجلوس وقال له ببسمة ودود تعجب لها عبد الجليل لأنه لأول مرة يراها ..
وقال له .. (( حالك لا يعجبني يا عبد الجليل .. ))
اتسعت عينا عبد الجليل في جزع وقال له ..
.. (( أنا آسف يا حاج على أي تقصير حدث مني وأعدك ألا يتكرر أبدا .. ))
ربت الرجل عليه وهو يضحك قائلا ..
.. (( أنت أفضل عامل لدي وليت الكل يفعل ربع جهدك .. ))
شعر عبد الجليل بالسعادة فلأول مرة يتم تقدير جهده أو يثني عليه أحد ..
واستطرد الرجل قائلا ..
.. (( لهذا ودونا عن البقية سوف أقوم بالتأمين عليك لأن وزارة الشئون الإجتماعية تتابع ولابد وأن يكون أحد العمال عندنا مؤمن عليه .. وهذا سر لا يجب أن تخبر به أحدا من رفاقك هنا .. ))
لم يكن عبد الجليل يفهم ما هو هذا التأمين أصلا ولم يسمع عنه من قبل
فكل ما يعرفه أن يعمل في المكان وكل أمره بيد صاحب العمل وفقط وليس له أي حقوق ومن الممكن أن يتم طرده في أي وقت وبلا أسباب .. أما لو حدثت اصابه أو إعاقة أو عجز عن العمل فلا حقوق له .. وسيتم الاستغناء عنه بلا مقابل ..
ولكن هذه السرية والإطراء السابق له أشعرته بأنها شيء جيد فلم يرد أن يضيعها من يده فابتسم وشكر الرجل بحرارة مثنيا على طيبة قلبه ووعده بأن جهده سيزداد في الفترة المقبلة ..
ضحك الرجل وقال ..
.. (( وكما بدأت الحوار معك بأن حالك لا يعجبني .. فقد كنت أعني حالتك الصحية .. الشحوب وفقدان الوزن مستمران معك .. ويجب أن أطمأن عليك قبل اجراءات التأمين هذه .. ))
قاله له عبد الجليل متسائلا ..
.. (( وكيف ستطمئن علي ؟ .. ))
أخرج الرجل ورقة صغيرة ومد يده بها اليه قائلا له ..
.. (( لقد سألت طبيبا قريبا لي وأخبرني أنه كي أطمئن عليك يجب أن تجري هذه الفحوصات والتحاليل وتحضر لي نتيجتها .. ))
مد عبد الجليل يده ليتناول الوريقة وعيناه زائغتان .. فها هو باب جديد للإنفاق وهو لا يعلم أصلا ما هي فائدة هذا التأمين .. ولكن بالطبع لم يكن بيده الرفض ولا يستطيعه ..
واذا بالرجل يفاجئه وهو يمد له يده مرة ثانية بمبلغ من المال وهو يقول له ..
.. (( هذه الأموال ستكون تكلفة التحاليل وما يتبقي هو هدية لك .. ولو احتجت غيرها فقط أخبرني .. وكل مصاريفك على حسابي .. ))
هز عبد الجليل رأسه بعنف غير مصدق ..
هناك شيئا ما مختل وغير طبيعي ..
ولكن كعادته كتم كل تساؤلاته وقتلها بداخله
المهم أنه قد أنقذه من مأزق المصاريف .. ولهذا تناول المبلغ ولسانه لا يفتر عن عبارات الشكر والثناء للرجل ..
وهو لا يدري بما يخبئه له المستقبل خلف هذه الفحوصات والتحاليل . .

*****
أنهت حمدية فترة عملها بالصيدلية وفي تمام السابعة كان د. موسى يخط بقدمية الى داخل الصيدلية .. فشعرت بالسعادة لهذه الدقة في المواعيد ...
سلم عليها وسألها إن كانت لديها أي استفسارات
فأخذت تخبره بكل ما دار طوال اليوم
وعن بعض الأدوية التي انتهت كميتها ويجب طلب غيرها
وبينما هي تحمل حقيبتها لمحته وهو يخرج من حقيبته رواية بعنوان مواكب الأحرار
اتسعت عيناها وهمت بأن تتجاهل الأمر وتنطلق ولكن ..
إنها رواية ..
عشقها الخاص
ومتعتها الفريدة
ولهذا لم تستطع مقاومة الإغراء ..
فسألته قائلة .. (( هل أنت من هواة قراءة الروايات ؟؟ ))
نظر الى غلاف الرواية وابتسم وقد علم بأنها قد لفتت انتباهها .. وقال لها ..
.. (( بالطبع .. فالقراءة بشكل عام هي غذاء العقل .. والمجال الأدبي بالذات ليس غذاء للعقل وفقط وإنما للروح أيضا فنحن نعيش مع الأحداث بكياننا ووجداننا كله نفرح بالأحداث المفرحة فيها ونبكي ونتألم لكل مؤلم بها .. وكل هذه مشاعر انسانية سامية ما أجمل أن نجد ما يحركها بداخلنا ويبقيها مستيقظة دوما قبل أن تتآكل منا في هذا العالم المادي .. ))
ابتسمت حمدية بقوة وشعرت بسعادة بالغة ..
فقد قام بالضبط بالتعبير عما يجول بداخلها وحالها هي ..
لم تتخيل أن تجد من يشاركها هكذا وبنفس هذه التفاصيل ..
فقالت له .. (( أنا لا أجد واحة غناء مثل عالم الروايات هذا .. ولكن لمن هذه الرواية ؟ ))
قال لها بجدية .. (( إنها للدكتور نجيب الكيلاني أحد رواد الأدب الحديث وهي إحدى روائعة الكثيرة والغزيرة .. ))
قالت له بحيرة .. (( رغم قراءاتي الكثيرة ولكن للأسف لم أسمع عنه من قبل .. ))
هز رأسه بأسف وقال .. (( هو لم يأخذ حقه الإعلامي ولا حظه من الشهرة بسبب توجهاته وبالرغم من ذلك .. له اسم وثقل في عالم الأدب .. وروايته مواكب الأحرار هذه تستعرض جانبا خطيرا ومميزا للغاية لم يسبقه إليه أحد من قبل .. وذلك إبان فترة الحملة الفرنسية على مصر .. وبإذن الله بعد الانتهاء منها سوف أعيرك إياها ولنتناقش بعدها في أحداثها .. ))
شعرت حمدية بالسعادة الفائقة فقد كان هذا هو هدفها من البداية .. أن تحصل على الرواية ..
فشكرته بقوة واستأذنته للإنطلاق ..
وخرجت لتتمشى الى بيتها الذي لا يبعد كثيرا ..
وهي تشعر بأن حياتها حقا قد بدأت في الانتظام ..
وأن الكون أخيرا قد بدأ في الابتسام لها ..

*****
انتزع تامر إتاوته من حمدية وهو يقول لها .. (( اعلمي أنك بهذا المبلغ يتم حمايتك من الكثير .. فكل اللصوص والبلطجية ومتعاطي الأقراص المخدرة يتم ابعادهم عن هذه الصيدلية بهذا المبلغ الضئيل .. ))
ضمت حمدية شفتيها بقوة وعقدت حاجبيها دلالة الغضب والقهر .. فهي تعلم أنها بهذا المبلغ الذي تمنحه إياه أول كل شهر إنما لإبعاده هو عنها وعن الصيدلية ..
ولكن أمام تامر لا مفر من الاستسلام لأنه بكل أسف لا توجد قوة مضادة يمكن مواجهته بها في المرحلة الحالية ..
وتركته الى الداخل لتجد أمها كما هي جلستها اليومية في أحد الأركان صامتة واجمة كأنها تمثال مصمت تم وضعه في هذا الموضع وحيثما تركته ستعود لتجده كما هو وعلى نفس حاله وهذا بعد أن فقدت القدرة على الرؤية تماما ..
قبلتها حمدية وقالت لها .. (( باركي لي يا أمي اليوم أول راتب لي .. وبإذن الله سأصبح طبيبة عيون وسوف أعالجك بنفسي .. ))
ابتسمت أمها ابتسامة شاحبة وربتت على كتف ابنتها وقالت لها ..
.. (( بارك الله فيك يا بنيتي .. أنت أملنا جميعا في كل شيء .. وليعطينا الله واياك العمر .. ))
قبلتها حمدية واحتضنتها قائلة .. (( بإذن الله يا أمي سيتغير كل شيء وأعدك بذلك .. ))
ونظرت حولها متسائلة وقائلة .. (( أين بعد الجليل ؟ لا أسمع له صوتا .. ))
قالت لها .. (( ذهب لإحضار نتائح فحوصه وهو على وشك الوصول .. ))
وبالفعل لم تمر دقائق حتى دخل عبد الجليل ممسكا بنتائج فحوصه وهو يشعر بالرعب من أن يكون هناك مرضا خطيرا لا يدري عنه شيء ولحظه صاحب العمل وأراد أن يفعل له معروفا قبل وفاته ..
فهو قد اعتاد على أن المصائب تلازمه وتأتي تباعا ..
وانبسطت أساريره عندما رأي حمدية لدى دخوله فاندفع اليها مسلما عليها بحرارة كعادته
وأعطاها ما معه قائلا بمرح مصطنع ..
.. (( هيا يا دكتورة طمئنيني .. ما هي نتيجة هذه التحاليل .. ))
وهي ترفع رأسها بشموخ مصطنع وتضحك قائلة .. (( وهل حجزت دورك ودفعت قيمة الكشف يا سيد ؟؟ ))
ضحك عبد الجليل من قلبه وهو يقول لها .. (( أنا ضمن العشرة بالمائة الذين تكشفين عليهم مجانا يا دكتورة ومعي تصريح بذلك .. ))
تناولت حمدية منه النتائج وهي تقول ضاحكة .. (( لقد غلبتني يا سيد .. هيا أعطني ما معك .. ))
وبدأت تقرأ الفحوص الكثيرة .. ولكنها في النهاية قالت له ..
.. (( للأسف يا عبد الجليل لم أفهم من كل هذه التحاليل سوى أنها كلها ضمن المعدل الطبيعي
يعني مثلا هنا فحص الكيرياتينين المعدل الطبيعي يكون الى اربعة ونصف وانت لديك النتيجة واحد ونصف .. اذا أنت نتيجة تحليلك طبيعية أما ما هو الكرياتينين فلم أدرسه بعد .. وما عرفته جيدا هي فصيلة دمك وهي باء سالبة .. ونسبة الهيموجلوبين عندك ثلاثة عشر وهي أيضا ضمن المعدل الطبيعي مما يعني أنك رغم شحوبك لا تعاني من الأنيميا .. وبهذا يا سيد أنت كالحصان .. ))
قبل عبد الجليل رأسها بفرحة وهو غير مصدق بأن كل شيء طبيعي وأن كل أموره سليمه
وتناول منها نتائج هذه الفحوص وضمها بعناية وحرص شديدن كأنها شهادة خاصة تؤهله للترقي والتطور ..
وفي الغد .. وبعد أن منحها للرجل وأخبره بما قالته أخته .. أخذها الرجل منه وقال له ..
.. (( الحمد لله أنها جيدة ولكن يجب عرضها على طبيب فعلي وسوف أخبرك بعد أن يراها الطبيب قريبي ونبدأ في الإجراءات مباشرة حين اطمئناني عليك .. ))
وفي اليوم التالي ..
نادي الرجل على عبد الجليل .. واصطحبه معه في إحدى سيارت الأجرة وعبد الجليل يظن بأنه ذاهب للقيام بعمل إجراءات التأمين عليه ..
وعندما وصل معه إلى هدفه .. وجده آخر مكان من الممكن أن يخطر بباله ..
يتبع بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://svuy.ahlamontada.com
 
طيور جريحة .. رواية بقلم د. أحمد مراد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب جنوب الوادى  :: 
أدبيـــــــــات
 :: 
مكتبة القصص والروايات
-
انتقل الى: