هزيم الألم
عدد الرسائل : 1459 العمر : 39 البلد : مصر رقم العضوية : 1 تاريخ التسجيل : 09/01/2008
| موضوع: نصيحة ببعير الخميس مايو 27, 2010 10:21 am | |
| يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ السعودية ، وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .
وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً
أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة
سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية . ومضت عدة سنوات
اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله
وأبنائه، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه
لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن
يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .. [center]وسار الرجل ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء
القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة
منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في
هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في
التجارة . فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح . فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة
؟! فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير . فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي
ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر
أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً
؟ .. فقال له الشيخ :" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل "
ففكر
الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا
تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات وعندما وجد أنها لا تنفعه قال
للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر . فقال له الشيخ : " أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له "
وتأمل
صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ، فقال
للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .. فقال له : " نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " .
ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك
الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشٍ وسار في طريقه . وظل يسير لعدة أيام
نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر ، وفي أحد الأيام أدركه
المساء فوصل إلى قوم قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى
عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم شاهد
نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ
مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه
حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم
يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام
في قاع هذا الوادي ، وقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام
على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر
كالرعد فأخذ البيوت والقوم ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي . وساق الرجل ما
تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وصاح لها مناديا فتبعته
وسار
في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب
به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به
والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو عيون بُرْق وأسنان فُرْق
" فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص
منها شيء . وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من
مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت
اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن
المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على
رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل
، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن
الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه
بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .
وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة
أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية
بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ،
فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ،
وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نام على الندم ولا تنام على الدم
" ، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى
أغنامه ونام عندها حتى الصباح ، وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من
البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته وقالوا : له لقد تركتنا
منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل
إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله
على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم وقال بينه وبين نفسه والله [si [/center] | |
|